من سيحكم غزة؟ هل تتغير المعادلة بعد الحرب
خاص المواطن – نور الحلو
مع انتهاء الحرب الأخيرة في قطاع غزة، التي تعد واحدة من أكثر الحروب دموية وشراسة، يبرز سؤال جوهري: من سيحكم غزة؟ هذا التساؤل يتجدد في كل مرة تتوقف فيها أصوات القذائف، إذ تقف غزة دائمًا عند مفترق طرق، مثقلة بالدمار والألم، وبآمال ضعيفة في مستقبل أفضل.
تواجه القضية الفلسطينية اليوم تحديات مزدوجة مع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار. فقد أكدت الرئاسة الفلسطينية استعدادها لتحمل المسؤولية الكاملة في غزة، وشدد الرئيس محمود عباس في بيان رسمي على رفض أي محاولات لتقسيم غزة أو فصلها عن الضفة الغربية.
ومع ذلك، فإن تعقيدات الواقع السياسي تشير إلى أن إسرائيل ستبقى القوة المهيمنة على القطاع، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر.
يرى عبد الحميد عبد العاطي، رئيس تحرير قناة المواطن الإعلامية، أن إبقاء حماس في الحكم لن يؤدي إلا إلى تعميق القضايا السياسية والإنسانية في غزة.
وأضاف: “غياب الحديث الجاد عن قيام دولة فلسطينية مستقلة يثير مخاوف من استمرار الوضع الراهن بلا أي تغييرات جوهرية. الحصار المستمر يزيد من الأزمة الإنسانية والاقتصادية، والتأخير في إعادة الإعمار يطيل معاناة الآلاف الذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم. الحل الجذري يكمن في تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة القطاع لإعادة بناء الثقة وإنهاء حالة الانقسام.”
لكن الوضع يبدو أكثر تعقيدًا. فقد أشار المحلل السياسي سليمان بشارات إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى لتحويل غزة إلى منطقة خاضعة لهيمنته السياسية والاقتصادية، مع تهميش أي دور للفصائل الفلسطينية.
في هذا السياق، يطرح البعض خيار “دولة غزة” كأحد السيناريوهات المطروحة. يتضمن هذا الخيار تشكيل لجنة إدارة مستقلة بإشراف أممي لإعادة إعمار غزة وإدارتها بشكل منفصل عن حماس أو السلطة الفلسطينية. ويبدو أن هذا السيناريو قد يلقى قبولًا دوليًا، إلا أن رفضه الداخلي يجعل تنفيذه معقدًا للغاية.
من جهة أخرى، لا تزال حركة حماس تفرض وجودها السياسي في القطاع، خاصة بعد استخدامها أوراقًا تفاوضية، مثل ملف الأسرى، لتعزيز مكانتها في أي تسويات مستقبلية. ومع ذلك، تواجه الحركة انتقادات حادة من بعض المحللين الذين يرون أن سياساتها ساهمت في زيادة معاناة السكان.
إياد خلف، أحد المحللين السياسيين، وصف ما يحدث بـ”انتصار حماس على جثث الناس”.
وقال: “انتصر جيش المرتزقة وحماس، بينما انهار الشارع الفلسطيني بأكمله. ما نحتاجه الآن هو محاسبة المسؤولين عن هذه الخسائر وفتح الأفق أمام قيادة سياسية جديدة تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.”
على الجانب الشعبي، أثارت هذه النقاشات تفاعلًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي. الناشطة نور عريقات كتبت: “الحكم في غزة يجب أن يعود للشعب، لا عبر تجاذبات دولية أو صراعات فصائلية. إعادة الإعمار ليست مجرد بناء منازل، بل إعادة بناء الثقة والشراكة الفلسطينية.”
أما الكاتب والناشط إياد البغدادي فقد غرد قائلاً:
“غزة بحاجة إلى قيادة حقيقية تمثل الإنسان الفلسطيني. لا يمكن استمرار لعبة استغلال معاناة السكان في الاتفاقيات الدولية.”
في ظل هذه الرؤى المتباينة، يبقى مستقبل غزة غامضًا. هل تستطيع السلطة الفلسطينية استعادة شرعيتها في القطاع؟ أم أن حركة حماس ستواصل قبضتها دون تحقيق الوحدة الوطنية المنشودة؟
الإجابة على هذه التساؤلات لا تزال رهينة التطورات القادمة، لكن ما يحتاجه القطاع الآن يتجاوز مجرد الحديث عن الحكم؛ فهو بحاجة إلى استعادة الحياة والأمل، بعيدًا عن تنازع القوى والأجندات الخارجية. غزة تستحق قيادة تعيد لها كرامتها، وتضع شعبها في صدارة الأولويات.