رجل الإجماع الفلسطيني، هكذا يوصف القائد المناضل مروان البرغوثي، الذي نادى كثيرون بإطلاق سراحه من سجون الاحتلال، باعتباره من أبطال الانتفاضة وفرسان المقاومة الفلسطينية وعشاق الحرية الذين تكبدوا تاريخ طويل من العذاب دفاعا عن القضية.
عدى كونه شخصية تتمتع بكاريزما تجمع مابين صفات السياسي والمناضل، أيقضت الأيام القاسية التي أمضاها مروان البرغوثي في سجون الإحتلال ملكة الكتابة الأدبية حيث أصدر كتابا بعنوان «ألف يوم من العزل الانفرادي» والذي كان سردا لتجربة الأسر والعزل المريرين واستذكارا لفضل والديه وعرفانا لفضل زوجته “فدوى ” وقد قسم كتابه إلى سبعة فصول هي: «المواجهة، ومملكة المجهول، أو الحرب الخفية، والمحاكمة، والعزل الانفرادي، وحياتي في زنزانة العزل الانفرادي، وحارسةُ حُلُمي والاشتباك مع جهاز المخابرات الإسرائيلي.
ربما يكون مروان البرغوثي الذي واصل نضاله داخل السجون الإسرائيلية، درس الاحتلال جيدا بحكم سجنه الطويل ويتقن اللغة العربية وأيضا الانجليزية والفرنسية، وكذلك هو سياسي من طراز فريد، وكان قياديا في حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، وشارك في الانتفاضة الأولى 1987، وكان أحد أبرز وجوه الانتفاضة الثانية 2000، كما اعتقل وأبعد أكثر من مرة، وتعرض لمحاولات اغتيال إسرائيلية فاشلة، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة 5 مرات.
وفي سنة 2010 حصل على درجة الدكتوراه من قسم العزل الجماعي في سجن “هداريم” في العلوم السياسية من معهد البحوث والدراسات التابع لجامعة الدول العربية، وأنهى كتابة رسالته في سجن “هداريم” واقتضى إيصالها سرا خارج السجن نحو عام كامل بمساعدة محاميه.
وطالما تحدث “البرغوثي” عن فتح باب مفاوضا جديد مع الاحتلال، بحيث يستند إلى نطاق صلاحيات اتفاقات السلام، وتتمثل في الرفض التام لتهويد القدس وسياسة الاستيطان اليهودي، واعتبار المستوطنات بؤرا إرهابية يجب محاربتها، وضرورة التوصل إلى حل عادل ونهائي ضمن بنود قرارات الأمم المتحدة، لأن عملية السلام تحتاج تدخل دولا لا تنحاز لإسرائيل.
شارك البرغوثي في صياغة وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني يقع الكتاب في مائة صفحة من الحجم المتوسط قامت بتقديمه المحامية فدوى البرغوثي التي تحدثت عن أهمية هذه الوثيقة التاريخية نصاً وروحاً كونها أول وثيقة مشتركة لمختلف أجنحة الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية ترسم برنامجاً وتضع مبادئ أساسية وتصلح أن تكون استراتيجية للحركة الفلسطينية للسنوات القادمة.
وتشير الوثيقة إلى مجريات ما حدث في زنازين وممرات وساحة سجن “هداريم” بين الأسرى للوصول إلى صيغة لها، وكانت فكرة الوثيقة والاجتماع الأول في زنزانة رقم 28 بين مروان البرغوثي أمين سر حركة “فتح” وعضو المجلس التشريعي، وعبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبسام السعدي من قياديي ومؤسسي حركة الجهاد الإسلامي، وعبد الناصر عيسى المنسق العام للهيئة القيادية لأسرى حركة “حماس” وأحد قياديي الحركة، حيث كانت هذه الجلسة هي بداية الفكرة التي وجدت لاحقاً طريقها للنور بعد فترة من النقاشات والحوارات حتى التوصل للاتفاق النهائي لنص الوثيقة.
كان الهدف من الوثيقة وقف الدم والاقتتال الفلسطيني الفلسطيني، ومشاركة كافة الفصائل الوطنية والإسلامية، وتبني موقف الرئاسة، وعاد الحديث عنها هذه الأيام لعلها تكون طوق نجاة الفلسطينيين من الحرب الإسرائيلية، كما تلخصهم من الانقسام وحالة التدهور وربما تستعيد الوحدة الوطنية الفلسطينية مجدد.
وإذا نجحت الحملة الشعبية في هدفها، وبالفعل أطلق الاحتلال سراح مروان البرغوثي، فربما يكون المشهد الفلسطيني في منطقة جديدة، فينتقل من مرحلة السخونة إلى التهدئة والحل، وقد يؤدي إلى الجلوس على مائدة مفاوضات ونجاح خطة حل الدولتين في حالة موافقة سلطات الاحتلال على ذلك.
وعلى الرغم من اعتقال البرغوثي والحكم عليه، لم يمنعه ذلك من تسجيل حضور بارز الفلسطيني من خلف جدران السجن، وقد فاز في 2009 بعضوية اللجنة المركزية لحركة فتح، وتولي منصب نائب رئيس الحركة في المؤتمر السابع عام 2016، وأعلن ترشحه لرئاسة السلطة الفلسطينية في 2021 بعد إصدار محمود عباس مرسوما رئاسيا يحدد مواعيد الانتخابات.
إسرائيل تعرف جيدا وزن البرغوثي في المعادلة السياسية الفلسطينية ولذلك فإن إطلاق سراحه قد يكون أمرا مستبعدا خوفا من تحوله إلى شخصية قيادية ثائرة تحرك الضفة الغربية وتعيد التأسيس لإنتفاضة فلسطينية جديدة، والمؤكد أن البرغوثي لن يكتفي بأن يكون الرجل الأول في السلطة الفلسطينية ليمثل الخيار التوافقي للشعب الفلسطيني والرجل الأول، بل سيتعدى طموحه الى ايقاظ شعلة الانتفاضة من جديد لذلك من المستبعد أن تعيد إسرائيل تكرار تجربة السنوار .