ما بعد اغتيال نصر الله .. هل حرق جنوب لبنان خطوة نتنياهو القادمة؟
بيروت- المواطن
أنهى الجيش الإسرائيلي هجماته المكثفة على لبنان بتنفيذ ضربة نوعية هي الأشد خطورة والأكثر ضراوة باستهداف مقر قيادة حزب الله في الضاحية الجنوبية، ليعلن على لسان متحدثه الرسمي اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله رفقة عدد كبير من قيادات الحزب، ليكمل تحطيم سلسلة القيادة في الحزب بعد اغتيال فؤاد شكر القائد العسكري للحزب، وإبراهيم عقيل رئيس العمليات، وقادة الجبهات والوحدات القتالية والقوة الجوية والوحدة الصاروخية، ومحدثا حالة فراغ غير مسبوقة في البنية الهيكلية للحزب الذي لم يعلق رغم مرور قرابة يوم كامل على الهجوم.
بهذا تعرض الحزب الذي يُعرف كأكبر مجموعة مسلحة دون الدول، لأقسى ضرباته وأصعبها، مما يثير التساؤل حول مستقبل الحرب في جبهة لبنان، بل وفي المنطقة.
كل هذا في ضوء سيناريوهات مسبقة تدعو إلى استكمال الجهد العسكري بتنفيذ عملية برية في لبنان حال استمرار إطلاق القذائف والصواريخ على شمال إسرائيل، وتسريع الجهود لتفكيك محور المقاومة الذي مثّل حزب الله جوهرة التاج فيه، وصولا إلى استهداف المشروع النووي الإيراني.
تغيير النهج لإزالة المخاوف
“لو كانوا سريعين بما فيه الكفاية، لما تمكنا من إيقافهم إلا عند حيفا أي على بعد نحو 26 ميلا إلى الجنوب من الحدود اللبنانية”.
تجسد تلك العبارة التي أوردها آموس هرئيل المحلل العسكري لصحيفة هآرتس نقلا عن قائد فرقة بالجيش الإسرائيلي في سياق الحديث عن الخشية من شن قوة الرضوان التابعة لحزب الله هجوما مباغتا إثر بدء عملية طوفان الأقصى صبيحة 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، المخاوف الكامنة في العقل العسكري الإسرائيلي تجاه جبهة جنوب لبنان.
إن تلك المخاوف فاقت سقف تحركات حزب الله وفق ما كشفته مجريات الصراع خلال قرابة سنة من القتال، وقد دفعت آنذاك جيش الاحتلال للمسارعة بنشر 3 فرق عسكرية في الشمال، فيما أصدرت حكومة نتنياهو أمرا بإجلاء جميع السكان الذين يعيشون على بعد 3 أميال من الحدود اللبنانية، ونقلهم للإقامة في فنادق وأماكن أخرى على نفقة الدولة.
هذا القرار حوَّل نحو 60 ألف إسرائيلي إلى عبء على الاقتصاد، وجعل المنطقة الحدودية بمثابة منطقة أمنية عازلة داخل إسرائيل للمرة الأولى، وهو ما استثمره حزب الله في تنفيذ هجمات يومية بصواريخ موجهة وقذائف صاروخية على مستوطنات خط الجبهة مما أدى لدمار واسع شمل في مستوطنة المطلة نحو 70% من إجمالي منازلها.
ولكن تل أبيب قررت في سبتمبر/أيلول 2024 تغيير المعادلة ونقل ثقل الحرب إلى الجبهة اللبنانية التي ظلت تستعد للحرب عليها منذ عام 2006، ووجهت ضربات نوعية للحزب بلغت أوجها بقصف مقر قيادة حزب الله أسفل الضاحية الجنوبية مستهدفة أمين عام حزب الله حسن نصر الله وعددا كبيرا من قادة وكوادر الحزب في هجوم يرجح أن ينقل الحرب لمربع آخر أشد ضراوة.
الجبهة الأخطر قبل الحرب
” لقد شهدت السنوات الأخيرة تحول الساحة الشمالية إلى التحدي العسكري الرئيسي الذي تواجهه إسرائيل”
لم تكن تلك الجملة مجرد رأي شخصي لقائد عسكري، إنما جاءت ضمن مخرجات مشروع نفذه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، ونُشر غالبية محتوى المشروع في عام 2021 بعنوان “الحرب القادمة في الشمال: السيناريوهات والبدائل الإستراتيجية والتوصيات”، بينما لم تُنشر بعض مضامينه الأخرى لحساسيتها الأمنية مع تسليمها كملحق سري للجهات المعنية داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
سعى المشروع المذكور لتقييم الشكل الذي يمكن أن تأخذه الحرب الإسرائيلية القادمة في لبنان بهدف تقديم توصيات لصُناع القرار، واستعان بآراء مجموعة من الخبراء من أبرزهم رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت، ومستشار الأمن القومي السابق الذي عمل أيضا مديرًا للتخطيط في الجيش غيورا آيلاند، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق آموس يادلين.
بحسب المشروع المشار إليه، فجنوب لبنان يمثل أحد أخطر دوائر التهديد تجاه إسرائيل نظرا لقربه المباشر من الحدود مما يتيح لقوة الرضوان بحزب الله التسلل وشن هجوم بري يستهدف تجمعات سكانية وأصولا عسكرية في الجليل فضلا عن امتلاك حزب الله -وفق ما يشير عدد من التقارير- لما يزيد عن 150 ألف صاروخ متنوع المدى مما يهدد كافة المدن الإسرائيلية.