مالا تعرفه عن البرامج المرعبة لـ الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها “إسرائيل” في غزة
لافندر و غوسبيل
القدس المحتلة – المواطن
تقول أمريكا إنها تراجع تقارير استخدام إسرائيل برامج الذكاء الاصطناعي لإعداد قوائم القتل في غزة، فما تفاصيل هذا العالم المرعب؟ وما قصة “لافندر” و”غوسبيل” وغيرهما من البرامج؟
جون كيربي المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، قال، الخميس 4 أبريل/نيسان، في مقابلة مع شبكة CNN إن الولايات المتحدة تراجع تقريراً إعلامياً يفيد بأن الجيش الإسرائيلي يستخدم الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحديد الأهداف التي يقصفها في غزة.
إسرائيل توظف الذكاء الاصطناعي
بعد مضي 6 أشهر منذ شنّت إسرائيل الحرب على غزة، عادت إلى الواجهة مرة أخرى التقارير التي تتحدث عن توظيف جيش الاحتلال الذكاء الاصطناعي لإعداد قوائم القتل في القطاع الفلسطيني، بحسب تقرير لموقع Firstpost الهندي.
التقارير بشأن توظيف إسرائيل لبرنامج ذكاء اصطناعي يُدعى “لافندر” جاءت من خلال تحقيق استقصائي مشترك أجراه موقع +972 Magazine وموقع Local Call الناطقان بالعبرية، واستشهد التحقيق بتصريحات ستة مسؤولين استخباراتيين شاركوا في استخدام وتطوير البرنامج.
وبحسب التحقيق، اعتمد برنامج لافندر على معايير واسعة من أجل تحديد الأهداف المحتملة، واختار نحو 37 ألف شخص للاستهداف بالقصف الجوي المحتمل. وورد أن البرنامج استخدم التعلُّم الآلي لتحديد سمات المسلحين، وكان يمنح الناس درجةً من 1 إلى 100 بحسب المصادر العسكرية، وذلك بناءً على عوامل تشمل العلاقة بمسلحين مشتبه بهم أو تغيير الهاتف باستمرار.
“كانت هناك أوقات تشهد استخدام تعريفٍ أوسع نطاقاً لتحديد عناصر حماس، وبعدها بدأت الآلة في اقتراح مختلف أنواع عناصر الدفاع المدني وضباط الشرطة الذين كان من المخزي إهدار القنابل عليهم. وكان هؤلاء الأشخاص يساعدون حكومة حماس، لكنهم لا يشكلون تهديداً فعلياً على الجنود”، بحسب ملخص للتقرير نقلته صحيفة الغارديان البريطانية.
ولم تتضمن الشهادات المنشورة في الموقعين أية تفاصيل حول أنواع البيانات المحددة التي جرى استخدامها في تدريب خوارزمية لافندر، أو كيفية توصُّل البرنامج إلى استنتاجاته. لكن المصادر قالت إن الوحدة 8200، التي طوّرت لافندر، حسّنت خوارزمية البرنامج وعدّلت معايير البحث خلال الأسابيع الأولى من الحرب.
كيف يعمل برنامج “لافندر”؟
بعد أخذ عينات عشوائية ومراجعة التوقعات، خلصت الوحدة إلى أن “لافندر” يحظى بمعدل دقة يبلغ 90% وفقاً للمصادر، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى الموافقة على استخدام البرنامج بشكلٍ مكثف كأداة توصية للاستهداف.
كما كشف تحقيق الموقعين أن برنامج “لافندر” قد جرى استخدامه مع نظام ذكاء اصطناعي آخر يُدعى “غوسبل”. وتُشير النتائج إلى أن الفارق الأساسي بين النظامين يكمن في تعريف الهدف. حيث يُستخدم غوسبيل في تحديد البنايات التي يزعم الجيش أن المسلحين يعملون داخلها، بينما يحدد لافندر الأشخاص ويضيفهم إلى قائمة القتل.
وكتب التحقيق، نقلاً عن ضباط الاستخبارات، أن القادة كانوا يطالبون بهجمات متواصلة على الأهداف. إذ قال ضابط استخبارات، بحسب الغارديان: “كنا نتعرض للضغط باستمرار: ‘أحضروا المزيد من الأهداف’. وكانوا يصرخون علينا بشدة. لقد قالوا لنا: يجب أن نسحق حماس الآن مهما كانت التكلفة. اقصفوا كل ما يمكنكم قصفه”.
وفي محاولةٍ منهم لتلبية مطالب قادتهم، أصبح الضباط يعتمدون على لافندر الذي أنتج قاعدة بيانات تضم الأفراد الذين يتمتعون بسمات “المسلحين” حسب المُعتقد.
كيف استخدمت إسرائيل لافندر في غزة؟
كشفت الشهادات المباشرة من ضباط الاستخبارات الإسرائيلية، الذين عملوا على “لافندر”، كيف استخدمت القوات التي يحركها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت هذه التقنية في الحرب التي يزعمون أن هدفها القضاء على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس، لكن قطاع غزة الذي يسكنه أكثر من 2.3 مليون فلسطيني تعرض لدمار كامل، واستشهد أكثر من 33 ألف فلسطيني غالبيتهم الساحقة من النساء والأطفال.
ووفقاً للمصادر الإسرائيلية، لعب لافندر دوراً بارزاً في الحرب عن طريق معالجة كميات مهولة من البيانات بسرعة، من أجل تحديد العناصر “الصغيرة” لاستهدافها. وفي الواقع، ذكر أحد المصادر للصحيفة البريطانية أن لافندر أورد في إحدى مراحل الحرب أسماء أكثر من 37 ألف فلسطيني، وذلك باعتبارهم على علاقة بحماس أو حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني.
وكتب يوفال أبراهام، مؤلف التحقيق: “خلال المراحل المبكرة من الحرب، أعطى الجيش الضباط موافقةً شاملة على اعتماد قوائم قتل لافندر، وذلك دون اشتراط المراجعة الدقيقة للسبب وراء اختيارات الآلة، ودون فحص المعلومات الاستخباراتية الأوّلية التي بُنِيَت عليها النتائج”.
“ذكر أحد المصادر أن الموظفين البشر كانوا مجرد ختم مطاطي يمرر قرارات الآلة في كثيرٍ من الأحيان، وأضاف أنهم كانوا يخصصون شخصياً نحو 20 ثانية فقط لكل هدف قبل منح الإذن بالقصف”، حسب ما أضاف أبراهام.
ونقل موقع +972 Magazine كذلك أن الجيش الإسرائيلي “هاجم بشكلٍ ممنهج” الأهداف داخل منازلها، وعادةً ما كانوا يفعلون ذلك أثناء وجود العائلة بأكملها. وكتب الموقع: “أسفر ذلك عن مقتل آلاف الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي وغالبيتهم من النساء والأطفال أو الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالقتال، خاصةً خلال الأسابيع الأولى من الحرب، وذلك بسبب قرارات برامج الذكاء الاصطناعي”.
علاوةً على ذلك، “فضّل” الجيش الإسرائيلي -المعروف بامتلاكه أسلحةً عالية القيمة- استخدام القنابل الغبية غير الموجهة التي تُسبب أضراراً واسعة النطاق، وذلك أثناء استهداف المسلحين ذوي الرتب المنخفضة، بحسب تقرير الموقع.
المدنيون في مرمى النيران
أجاز الجيش الإسرائيلي أيضاً قتل ما يتراوح بين 15 و20 مدنياً من أجل القضاء على عنصر صغير واحد من حماس بعد التعرف عليه بلافندر، بينما وصل الرقم إلى 100 مدني مقابل كل عنصر كبير. وأوضح أحد المصادر في تحقيق الموقعين: “كانت لدينا حسابات لعدد (المدنيين الذين يُمكن قتلهم) في سبيل القضاء على قائد لواء، وعدد المدنيين الذين يمكن قتلهم من أجل قائد كتيبة، وهكذا”.
بينما تحدثت الصحيفة البريطانية إلى خبراء في القانون الدولي أعربوا عن قلقهم إزاء الشهادات حول قبول الجيش الإسرائيلي -وموافقته المسبقة- على وقوع أضرار جانبية تصل إلى 20 مدنياً، وخاصةً بالنسبة للمسلحين ذوي الرتب المنخفضة.
جيش الاحتلال ينفي
من جانبه نفى جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف في غزة، وأصدر بياناً يقول إن “الجيش لا يستخدم أي نظام للذكاء الاصطناعي لتحديد هوية النشطاء الإرهابيين أو لمحاولة التنبؤ بما إذا كان الشخص إرهابياً من عدمه. منظومات المعلومات هي مجرد أدوات للمحللين في عملية تحديد الهدف”.
وأضاف البيان أن توجيهات الجيش تكلف المحللين بإجراء تدقيقات مستقلة يتحققون فيها من أن الأهداف المحددة تلبي المعايير ذات الصلة بما يتماشى مع القانون الدولي والمبادئ التوجيهية الإسرائيلية، بحسب رويترز.
لكن في الوقت نفسه دائماً ما يتفاخر قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه “أكثر الجيوش تطوراً في توظيف التكنولوجيا”، وبعد العدوان السابق على غزة عام 2021، أعلن قادة جيش الاحتلال أن إسرائيل “خاضت حربها الأولى بالذكاء الاصطناعي” باستخدام الحوسبة المتقدمة.
وفي أعقاب تعرض عمال إغاثة أجانب لغارة إسرائيلية قاتلة في القطاع هذا الأسبوع، ازدادت ضغوط الحلفاء على حكومة نتنياهو، وعاد الحديث عن توظيف جيش الاحتلال للذكاء الاصطناعي في تحديد الأهداف وإعداد قوائم القتل في غزة.
تقارير الذكاء الاصطناعي ليست جديدة
أما التقارير بشأن توظيف إسرائيل للذكاء الاصطناعي في حربها المستمرة على قطاع غزة فهي ليست جديدة، إذ كانت المصادر العبرية ذاتها قد نشرت تحقيقاً استقصائياً حول عالم الرعب هذا أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
التحقيق المشترك بين مجلة Mag+972 وموقع Local Call، وكلاهما إسرائيلي، رصد أسباب الارتفاع غير المسبوق في أعداد الضحايا المدنيين ولخصها في وضع جيش الاحتلال معايير منخفضة لقواعد الاستهداف ودور الذكاء الاصطناعي، وتأثير ذلك على الأعداد الهائلة من الشهداء المدنيين في غزة.
التحقيق الاستقصائي الذي أجرته المجلة والموقع الإسرائيليان كشف أن جيش الاحتلال قام بتعديل قواعد الاشتباك وتوسع في توظيف الذكاء الاصطناعي لتحديد “الأهداف” في قطاع غزة. والمقصود بقواعد الاشتباك لدى الجيوش في حالة الحرب هي تلك القواعد التي تهدف بالأساس إلى منع استهداف المدنيين والمنشآت المدنية من جهة وتقليل الأضرار الجانبية على المدنيين في أي عملية عسكرية من جهة أخرى.
نتنياهو و غالانت
من اليسار، رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت / رويترز
وفي هذا الإطار، كشف التحقيق الإسرائيلي أن قواعد الاشتباك تم تعديلها من جانب جيش الاحتلال، بحيث إنه إذا تم رصد “هدف” تصنفه إسرائيل على أنه “عسكري” يتم إصدار الأمر باستهدافه حتى لو كانت المعلومات المتوافرة تؤكد بشكل قاطع، أن “الأضرار الجانبية على المدنيين” ستكون بالمئات، يتم اتخاذ قرار توجيه القصف على أية حال.
التحقيق الإسرائيلي، الذي شمل إجراء مقابلات مع العديد من مسؤولي المخابرات الحاليين والسابقين في إسرائيل، أشار إلى أنَّ التوقعات المنخفضة بشأن الحد من الأهداف المدنية تم دمجها مع استخدام الذكاء الاصطناعي بهدف إنشاء مجموعة واسعة من الأهداف، فيما وصفه أحد الأشخاص الذين تحدثوا للمجلة بأنه “مصنع اغتيالات جماعية”.
وفي حالة واحدة على الأقل، قالت مصادر إنَّ مخابرات جيش الاحتلال الإسرائيلي وافقت على مقتل مئات الفلسطينيين ضمن محاولة اغتيال أحد القادة العسكريين لـ”حماس”.
غوسبيل .. مصنع اغتيالات جماعية
هناك أيضاً برنامج ذكاء اصطناعي طوره جيش الاحتلال يسمى “ذا غوسبيل The Gospel” يتم تغذيته بالبيانات، ويقوم البرنامج باختيار “الأهداف” التي يراد قصفها في قطاع غزة، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية يرصد الوسائل التي يوظفها الجيش الإسرائيلي لتنفيذ “قصفه المتواصل” على القطاع.
هذه المنصة تعمل بطبيعة الحال من خلال قاعدة البيانات التي يزودها بها الإسرائيليون في أجهزة الاستخبارات وجمع المعلومات وباقي أفرع الأجهزة الأمنية في الجيش، ومع تخفيض قواعد الاشتباك، يصبح مثلاً مكتب لمتحدث باسم حماس أو مكتب إعلامي لحركة الجهاد الإسلامي، يقع بأحد الأدوار في برج سكني مكون من 20 طابقاً، تقرر منصة الذكاء الاصطناعي أن المبنى يعتبر “هدفاً عسكرياً” ويتم إرسال إحداثياته للطائرات فتنفذ القصف على الفور، بغض النظر عن أن المكتب “المستهدف” قد يكون خالياً من الأساس وقت القصف.
وتنطبق هذه “المعايير” على أي هدف آخر تعتبره إسرائيل وجيشها وذكاؤها الاصطناعي “عسكرياً”، بمعنى أنه يتم استهداف مبنى سكني أفاد تقرير بأن أحد المقاومين يسكن فيه مع أسرته، ضمن عشرات الشقق الأخرى في المبنى، فيتم قصف المبنى وهدمه على من فيه، رغم أن “الهدف، أي المقاوم” قد لا يكون في المنزل وقت القصف.
مصدر شارك في الهجمات الإسرائيلية السابقة على غزة، قال للمجلة الإسرائيلية: “يُطلَب منا البحث عن المباني الشاهقة التي يُمكن أن يُنسَب حتى نصف طابق فيها إلى حماس”. وأضاف: “في بعض الأحيان يكون مكتباً للمتحدث الرسمي باسم جماعة مسلحة، أو نقطة يجتمع فيها النشطاء. لقد فهمت أنَّ وجود مثل هذا الطابق هو ذريعة تسمح للجيش بإحداث دمار كبير في غزة. هذا ما قالوه لنا”.