أخــبـــــار

لاجئو غزة في مصر: حنين لا ينطفئ ورفض للتهجير .. “لن نرحل..سنعود”

منذ أكتوبر عام 2023، عبر أكثر من 115 ألف فلسطيني من سكان قطاع غزة إلى مصر، وفق تقديرات السفارة الفلسطينية في القاهرة، بحثًا عن الأمان بعيدًا عن القصف والدمار. لكن رغم الأمان النسبي، لم تكن الحياة سهلة، فالنازحون الفلسطينيون في مصر يعيشون بين مرارة الغربة والحنين للوطن، وسط تحديات قانونية واقتصادية، بينما يرفضون بشدة أي مخطط لتهجيرهم الدائم.

*”الوطن ولو تحت الركام”*

لم يكن الخروج من غزة خيارًا، بل فرضته الظروف القاسية، لكن فكرة الاستقرار الدائم في مصر أو أي بلد آخر مرفوضة تمامًا. يقول ماجد الخزندار، الذي فقد مطاعمه الثلاثة في القصف وافتتح مطعمًا للفلافل في القاهرة: “أنا أحب مصر.. لكنني لا أستطيع أن أستبدلها بفلسطين”.

في حين تترقب أم غانم لحظة عودتها، رغم أن منزلها في تل الهوى تحول إلى “أثر بعد عين”**. تقول بصوت يغلبه البكاء: “ما في بالدنيا كلها أغلى من تراب غزة، حتى لو صارت أنقاض”.

*واقع صعب ومناشدات مستمرة*

لا تزال حياة الفلسطينيين النازحين إلى مصر مليئة بالتحديات، حيث تواجه العديد من العائلات أوضاعًا معيشية صعبة، سواء ممن خرجوا ضمن كشوفات رسمية، أو كمرافقين للمرضى، أو اضطروا للمغادرة بطرق أخرى بحثًا عن الأمان.

انعدام الإقامة، غياب فرص العمل، نقص المال، وتشتت العائلات بين غزة والقاهرة، كلها عوامل تجعل الوضع أكثر تعقيدًا.

يقول أحد النازحين بأسى: “ضاقت بنا السبل، لا إقامة، لا مصدر رزق، وأطفالنا بلا مدارس.. كل ما نريده هو العودة إلى غزة”.

وفي ظل هذه الأوضاع، يناشد النازحون السفارة الفلسطينية في القاهرة للتدخل، قائلين: “ندرك حجم التحديات، لكن هناك حالات إنسانية بحاجة إلى مساعدة عاجلة.. هناك عائلات خرجت بورقة الوثيقة وتحتاج لتجديد جوازاتها، لكنها لا تملك المال.. نرجو منكم استقبال هذه الحالات وتجديد جوازاتهم مجانًا نظرًا لظروفهم القاسية”.

كما يطلق العالقون في مصر ودول أخرى، مثل الجزائر، ماليزيا، وأوزبكستان، نداءً عاجلًا لتسهيل عودتهم إلى غزة في أسرع وقت ممكن، مؤكدين أن الوضع بات لا يُطاق: “أولادنا في مكان، ونحن في مكان آخر.. نناشد الجميع للمطالبة بفتح معبر رفح للعالقين بالخارج.. لسنا لاجئين، بل فلسطينيون نريد العودة إلى ديارنا”.

*أزمة الإقامات والتعليم: جيل بلا مدارس*

يمثل غياب الإقامة النظامية واحدة من أكبر العقبات التي تواجه الفلسطينيين النازحين إلى مصر، حيث يعيق ذلك التحاق الأطفال بالمدارس وحصول ذويهم على فرص عمل مستقرة، مما يزيد من معاناتهم اليومية.

تقول أميرة (26 عامًا)، التي لجأت إلى القاهرة مع أطفالها الثلاثة بينما بقي زوجها في غزة: “رغم كل شيء، وضعنا هنا أفضل من تحت القصف، لكن أطفالي بلا تعليم، وأنا بلا عمل، وأشعر أننا في سجن مفتوح”، مؤكدة أن عدم امتلاك إقامة نظامية يجعلها غير قادرة على التخطيط لمستقبل واضح.

*”شكرًا مصر”.. تضامن شعبي رغم الأزمات*

ورغم الصعوبات، يعبر اللاجئون الفلسطينيون عن تقديرهم للاحتضان الشعبي المصري، حيث قدم الكثير من المصريين دعمًا ماديًا ومعنويًا، تعبيرًا عن تضامنهم مع معاناة أهل غزة.

يقول أبو خالد، أحد النازحين في القاهرة: “في مصر، عندما يعرفون أننا من غزة، كثيرًا ما يرفضون أن ندفع ثمن القهوة أو المواصلات.. هذا الكرم لا يُنسى”، لكنه يضيف بحزم: “نحن ممتنون، لكننا لا نريد أن نكون عبئًا.. نريد العودة إلى بلادنا، وليس الاستقرار في أي مكان آخر”.

*رفض قاطع لمخطط ترامب للتهجير*

على وقع الأخبار المتلاحقة عن مخططات التهجير القسرية التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى فرضها على سكان غزة، يقف آلاف الفلسطينيين المهجرين في مصر موقفًا صارمًا: “نحن هنا مؤقتًا، ووجهتنا الوحيدة هي غزة”. رغم احتضان والحب الذي وجدوه في أم الدنيا، لا يزال قلبهم معلقًا بوطنهم، يترقبون فتح المعابر ليعودوا إلى بيوتهم، حتى وإن كانت تحت الأنقاض.

“لا شيء في الدنيا يعوضني عن بيتي في تل الهوى”، تقول أم غانم بصوت يختنقه الحنين، وهي تروي كيف كان منزلها الذي لم تسكنه سوى عام واحد قبل أن تبتلعه الحرب. ورغم وجودها في القاهرة منذ بدء العدوان، إلا أن قلبها لم يغادر غزة لحظة واحدة.

يقول جميل زرد (45 عامًا)**، الذي غادر غزة منذ سنوات لكنه لا يزال متعلقًا بها: “لن نقبل بأي حلول بديلة.. نحن شعب لا يُهجَّر، بل يعود”، مؤكدًا أن كل فلسطيني في مصر يرى نفسه زائرًا مؤقتًا وليس لاجئًا دائمًا.

*العودة المؤجلة.. والمستقبل الغامض*

مع انتهاء العدوان، بدأ الكثيرون يفكرون في العودة، لكن الوضع في غزة لا يزال صعبًا. فالدمار هائل، والبنية التحتية مدمرة، ومع ذلك، لا يفكر الغزيون في شيء سوى إعادة بناء حياتهم على أرضهم.

“سنعود.. حتى لو لم يبقَ حجر على حجر، سنبنيها من جديد”، بهذه الكلمات يلخص أحد اللاجئين فلسفته، التي يبدو أنها القاسم المشترك بين كل من اضطروا لمغادرة غزة.

زر الذهاب إلى الأعلى