كيف حقق “نعمة الأفوكاتو” نجاحا جماهيريا لافتا رغم كل عيوبه الفنية؟
شهدت مسيرة المخرج المصري محمد سامي العديد من الإنجازات والكبوات في وقت قصير نسبيا؛ فمنذ العام 2011 يقدم المسلسل تلو الآخر، يحقق بعضها نجاحًا يشيد به الجمهور والنقّاد، في حين يصبح البعض الآخر محل السخرية وصناعة “الكوميكس” على منصات التواصل الاجتماعي. لكن في كلتا الحالتين يمكن اعتبارها من “الأعلى مشاهدة” والأقدر على الوصول إلى شريحة واسعة من الجماهير.
يعود محمد سامي في رمضان 2024 بمسلسل آخر ينتمي لقائمة الأكثر مشاهدة، وهو “نعمة الأفوكاتو” من بطولة زوجته وشريكة نجاحاته وإخفاقاته مي عمر، وتأليفه مع مهاب طارق، ويشارك في التمثيل كل من أحمد زاهر وكمال أبو رية وأروى جودة.
أكلة حريفة لا يمكن مقاومتها
حقق محمد سامي أعظم نجاحاته -من الناحية الجماهيرية على الأقل- العام الماضي بمسلسل “جعفر العمدة” مع محمد رمضان، العمل الذي جمع المشاهدين ليتابعوه بنفس شغفهم في متابعة مباريات كرة القدم، وقدم من خلاله خليطا من الميلودراما والكوميديا الشعبية الحريفة، وأعاد مسيرة سامي ورمضان إلى المسار الصحيح بعد إخفاقات متعددة لكل منهما بمفرده.
وثارت العديد من الأقاويل حول عودتهما مرة أخرى في الجزء الثاني من “جعفر العمدة”، لكنها انتهت إلى لا شيء، بينما تم الإعلان قبل رمضان عن مسلسل آخر للمخرج والمؤلف نفسيهما هو “نعمة الأفوكاتو”.
تدور أحداث “نعمة الأفوكاتو” في حارة شعبية كذلك، وفيه البطلة نعمة محامية شديدة الذكاء، قادرة على مساعدة موكليها على الدوام، ولكن ذلك لا ينقذها من الفقر، فهؤلاء الموكلون ليسوا سوى فقراء تقابلهم في مقهى، حتى يأتيها الفرج على يد موكل شديد الثراء، يوكلها لإنقاذ ابنه المحكوم عليه ظلما بعشر سنوات سجنا، ويعدها بعشرة ملايين من الجنيهات إن أخرجته من هذه القضية.
تنجح نعمة بالفعل في تبرئة موكلها، وتحصل على الملايين العشرة، ولكن بدلًا من أن تضحك لها الأيام بهذه الثروة الطائلة، تكتشف أنها وبالٌ عليها، إذ تكشف عن النفوس الضعيفة المحيطة بها، وتعرضها لخطر الموت على يد زوجها، الموت الذي تعود منه مثل العنقاء إنما بنسخة أكثر عنفا وقوة لتنتقم من كل من خذلوها.
يستخدم سامي كل السمات التي كانت تميمة نجاحه في “جعفر العمدة”، من البيئة الشعبية الغنية بصفات الشهامة و”الجدعنة” إلى الجرائم العنيفة والتواءات الحبكة، بالإضافة بالطبع لغدر الأصحاب والأحباب غير المتوقع، ويُنهي كل حلقة بمفاجأة تجعل المشاهد يترقب الحلقة القادمة، رغم استنتاجاته شبه اليقينية للحدث القادم.
تشبه مسلسلات محمد سامي من هذا النوع الأكلات “الحريفة”، التي يعلم آكلها أنها سيئة المكونات وفي بعض الأحيان قد تضره أكثر مما تنفعه غير أن طعمها لا يزال شهيا، ويدفعه لتناول القطعة تلو القطعة بلا مبالاة.
بالمثل، من غير الممكن أخذ أي من عناصر مسلسل “نعمة الأفوكاتو” وتحليلها بمفردها للوصول لجمالياتها، فكل منها متواضع بالفعل، سواء التمثيل المسرحي الذي يكاد يكسر الحاجز الرابع وتتحدث فيه البطلة مع الكاميرا مباشرة موضحة مدى ذكائها وقوة شخصيتها، أو الحوار الشديد المباشرة، أو الشخصيات المسطحة.
الزوج في “نعمة الأفوكاتو” ليس أكثر من رجل خائن يكره زوجته لنجاحها، وسارة كاريكاتير السكرتيرة اللعوب، والأب المحامي المثالي الذي يربي ابنته عبر الحكم والمواعظ، بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية التي تميل للملحمية حتى في المشاهد التي لا تستدعي ذلك، و”المكساج” المتواضع إذ نجد تغيير “تراكات” الموسيقى يتبع تعبيرات وجه البطلة أكثر من الموقف الدرامي الذي يُعرض على الشاشة. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن المسلسل لا يزال مشوقا ومسليا بدرجة يصعب مقاومتها.
من الذي لا يحب نعمة؟
صدر عام 1996 مسلسل تلفزيوني بعنوان “من الذي لا يحب فاطمة؟”، وعلى الرغم من عنوانه الذي يحمل اسم امرأة، فإن المسلسل يُكرس للشخصية الذكورية الرئيسية صبري (أحمد عبد العزيز) الذي تقع في حبه كل نساء العمل، هذه الثيمة نجدها متكررة في “جعفر العمدة” على سبيل المثال، فالبطل هنا لا تقع في حبه زوجاته الأربع فقط، بل تعجب به كل امرأة مرت على الشاشة بما فيها والدته “صفصف الملكة”، يعيد “نعمة الأفوكاتو” السردية نفسها ولكن يضع امرأة محل “صبري” و”جعفر”، وهي بالطبع البطلة نعمة.
يقع في حب نعمة صديق عمرها أكرم (أحمد ماجد)، فيكاد الأمر يدمر زواجه، بينما رجل الأعمال الثري ياسين (عماد زيادة) يفقد عقله ما إن تقع عيناه عليها في قاعة المحكمة وهي تدافع لتبرئته من تهمة زائفة، فيطلب من والده مثل الطفل المدلل تعيينها في شركته براتب مهول، ويترك عمله ومسؤولياته ليساعدها في مسعاها للانتقام من زوجها، ويجيب عن غضب والده عليه لحبه امرأة متزوجة بأن القلب له أحكام.
على الجانب الآخر تسحر نعمة كل من يقترب من محيطها، والدها سعيد أبو علب (كمال أبو رية) بطبيعة الحال، وصديقه المحامي الفاشل (سامي مغاوري)، وصاحبة المقهى التي دأبت مقابلة طالبين خدماتها كمحاميه عليه، والمحامي المتدرب محمد (محمد دسوقي) الذي ضحى بحياته فداء لها، والرجل الطيب الذي أنقذها من الدفن حية.
يرجع ذلك إلى حد كبير إلى الحالة الأسطورية التي فرضها المؤلف والمخرج على الشخصية الرئيسية، فهي امرأة تضحي بعشرة ملايين جنيه من دون تفكير حقيقي لإسعاد كل من حولها، تُخلص في حبها لدرجة تجعلها تدير ظهرها للتفكير المنطقي وتسامح زوجها على أخطاء كبيرة، ولكن كما هي أسطورية في لطفها ومحبتها، فهي كذلك في غضبها وانتقامها، فتخطط بكل ذكاء ودهاء لتدمير حياة خصميها صلاح (أحمد زاهر) وسارة (أروى جودة)، وتبادر بشجاعة لتعريض حياتها للخطر مرة تلو الأخرى، للوصول إلى هذا الهدف، وخلال ذلك تؤسس جماعة من المقربين لها يساعدونها في هذا المسعى كأي بطلة أسطورية أخرى.
تمثل صناعة الحالة الأسطورية أحد أهم أسباب تفاعل المشاهدين مع مسلسل “نعمة الأفوكاتو”، فقد تماهى معها المشاهدون والمشاهدات، رغم جنسها، لم تختلف في أعينهم عن “جعفر العمدة” أو “رضوان البرنس” أو “رفاعي الدسوقي”، ويعيد بذلك محمد سامي نجاحه السابق في أحد أشهر مسلسلاته “مع سبق الإصرار” وبطلته كانت كذلك محامية عاشقة لزوجها قبل أن تكتشف خطته الشريرة لتدمير أسرتها، وتنتقم منه ومعاونيه شر انتقام.
تعاون محمد سامي مع زوجته مي عمر عدة مرات من قبل، كلها أتت نتائجها متواضعة في أفضل أحوالها، أو كارثية كما في حالة مسلسل “نسل الأغراب”، لكنه يكسر هذه الدائرة بمسلسل “نعمة الأفوكاتو” وقد حقق المسلسل مشاهدات عالية على مواقع البث، رغم كل عيوبه الفنية، فحصل على الوسام الأهم في عالم الفن، وهو حب الجماهير.