في معنى وحدة الساحات
بقلم – محمد ياغي :
تعودت إسرائيل أن تمارس إرهاب الدولة منذ قيامها على أنقاض الشعب الفلسطيني العام 1948، وباستثناء سنتين على أبعد تقدير بعد هزيمة العام 1967 لم يكن هنالك تنسيق فعال بين الدول العربية المتضررة مباشرة من إسرائيل وبين قوى المقاومة الفلسطينية لدحر وإنهاء الاحتلال.
مع الأردن، لم يستمر التنسيق أبعد من معركة الكرامة، ومع مصر انتهى بقبولها مبادرة روجرز، ومع سورية كان دائماً متعثراً.
حتى بين العرب أنفسهم بعيداً عن فلسطين، لم يكن التنسيق أفضل حالاً. السادات في حرب العام 1973 لم يخبر سورية مسبقاً بأن القوات المصرية لا يمكنها التحرك في سيناء بعيداً عن مظلة الصواريخ التي لم يتجاوز مداها في حينه أكثر من 15 كيلومتراً.
تفسّخ الساحات، بمعنى غياب التنسيق الفاعل بين الأطراف المتضررة مباشرة من الاحتلال الإسرائيلي سمح لدولة الاحتلال بالاستفراد في كل منها على حدة.
الفلسطينيون نالوا نصيبهم الأكبر منها العام 1982 وفي أعوام الانتفاضة الأولى والثانية، وخلال الحروب التي لم تنته على غزة وما بينها.
اللبنانيون الذين ورثوا الاحتلال الإسرائيلي، نالوا نصيبهم خلال مسيرة تحررهم حتى العام 2000 وخلال حرب الواحد والثلاثين يوماً عليهم العام 2006.
سورية أيضاً نالت حصتها عندما تم تدمير مفاعل دير الزور النووي العام 2007، ومن خلال القصف الإسرائيلي المتواصل لأراضيها منذ عشر سنوات.
العراق كذلك تعرض لتدمير مفاعل تموز النووي العام 1981، ولاحقاً تعرض حشده الشعبي لقصف إسرائيلي العام 2019 بالقرب من الحدود السورية العراقية.
حتى تونس والسودان البعيدتان عن إسرائيل تعرضتا لقصفها. في العام 1985 قصفت الطائرات الإسرائيلية مقر منظمة التحرير في مدينة حمام الشط التونسية مخلفة وراءها عشرات القتلى والجرحى من التونسيين والفلسطينيين. أما السودان فقد تعرض مجمعه العسكري في منطقة اليرموك في الخرطوم لقصف إسرائيلي العام 2012.
أما عن الاغتيالات فحدّث ولا حرج، البعض منها معروف والبعض منها مجهول والقائمة تشمل قادة وعلماء ومفكرين فلسطينيين وعرباً وإيرانيين، أما ساحات الاغتيال فلقد امتدت بامتداد الشرق الأوسط ومعظم دول أوروبا.
باستثناء الاستنكار والشجب وأحياناً بطريقة خجولة، لم يساعد العرب بعضهم البعض وتركوا إسرائيل تتفرد بهم الواحد تلو الآخر، وحتى عندما استيقظ البعض منهم متأخراً كان في حالة لا تمكنه من الفعل (صدام مثلاً العام 1991 ) ما أعطى الانطباع بأن هذه الدولة المارقة قادرة على ان تفعل ما تريد وأن إلحاق الهزيمة بها مسألة تكاد تكون مستحيلة.
التفرد بالفلسطينيين وبكل دولة عربية على حدة هو نهج إسرائيلي قديم. وهو مسألة مفهومة لأن هذه الدولة لا يمكنها البقاء والاحتفاظ بسياساتها المعادية للفلسطينيين والعرب لو كان هنالك فعل فلسطيني وعربي موحد.
اليوم تحاول إسرائيل التفرد بكل طرف من اطراف محور المقاومة، فهي تستهدف سورية وتمتنع عن استهداف حزب الله، وهي تستهدف «الجهاد الإسلامي» وتتجنب استهداف حركة حماس مباشرة في محاولة مفضوحة لشق وحدة المقاومة.
المقاومة بلا شك تعي ذلك، وكان ذلك واضحاً في رفض حزب الله مثلاً التنصل من الصواريخ التي أُطلِقت من لبنان تجاه إسرائيل في رمضان الماضي. وهو واضح اليوم في خروج البيانات العسكرية باسم غرفة عمليات المقاومة المشتركة في المعركة الدائرة حالياً بدلاً من خروجها باسم حركة الجهاد الإسلامي كما حدث للأسف في معركة وحدة الساحات في نيسان الماضي. هذا يعكس ثقة عالية بالنفس لدى المقاومة في فلسطين وخارجها ويعكس أيضاً حالة التنسيق العالي بين أطرافها المختلفة.
لكن هذا لا يعني بأن الساحات موحدة على أرض الواقع، ولو كانت كذلك لما شاهدنا كل طرف من أطراف محور المقاومة يخوض معاركه لوحدة.
وحدة الساحات تتطلب أن يأتي الرد على جريمة إعدام خضر عدنان واغتيال قادة «الجهاد الإسلامي» في غزة من ساحة أخرى مثلاً غير فلسطين لتأكيد وحدة الساحات قولاً وعملاً.
بالطبع يمكننا أن نتفهم أن الظروف لم تنضج بعد لوحدة الفعل، وأن شعار وحدة الساحات هو الهدف الذي تسعى له أطراف محور المقاومة، لكنها لم تبلغه بعد. الأسباب معروفة وهي بشكل مختصر، أن كل طرف من اطراف المحور لديه ما يكفي من الهموم التي تشغله وتمنعه من الخروج من الاطار الجغرافي الوطني المتواجد فيه.
حزب الله مثلاً لا يستطيع أن يطلق الصواريخ دفاعاً عن غزة لأن قيامه بذلك سيدفع جميع الأطراف اللبنانية الأخرى لاتهامه بتوريط لبنان في «معركة ليست له» وهذا ينطبق على ما تبقى من أطراف المحور.
بهذا المعنى لا توجد حقيقة وحدة للساحات غير الإسناد المعنوي واللوجستي، وهذا ما يشجع إسرائيل على انتقاء أعدائها وأخذ المبادرة بالهجوم دائماً والتمنع عن قبول وقف إطلاق النار إلا بشروطها أو بدون شروط.
لو تخلص أطراف المحور من عقدة الجغرافيا التي تكبلهم لأمكن بالتالي ردع دولة الاحتلال والوصول معها لاتفاقات تبدأ من عدم التعرض للمدنيين، مروراً بوقف الاغتيالات، وانتهاء بإجبارها على الانسحاب من جميع الأراضي العربية التي تحتلها.
لقد تم تدمير العديد من الدول العربية وفي مقدمتهم العراق وسورية من أجل حماية إسرائيل، وهذا وحده سبب كاف للتخلص من عقدة الجغرافيا التي تمنع وحدة الفعل للمقاومة من ساحاتها المتعددة.
ونضيف، اذا كان هدف دولة الاحتلال هو مهاجمة كل طرف من أطراف المحور على حدة بهدف إضعافه وتصفيته، فإن الرد عليها يجب أن يكون جماعياً من كل أطراف المحور ودون الاكتراث بقيود الجغرافيا التي تكبلها. هذا هو المعنى الفعلي لوحدة الساحات التي ينتظر جميع الفلسطينيين والعرب تحققها.