شؤون فلسطينيةصحة وحياة

غزة: باحثة تسجل تجارب سريرية تكشف آفاق جديدة في علاج مرض التوحد

غزة – سجلت الباحثة الفلسطينية نرمين قاسم من قطاع غزة وبعد مشوارٍ طويلٍ من البحث والتقصي،إنجازا علميا يتمثل في التوصل للعلاقة بين الجينات والمُخيخ في دماغ طفل التوحد وسبل الكشف والعلاج للحالة

وتوصلت الباحثة قاسم بعد دراسة مستفيضة دامت لما يزيد على أربعة أعوام، أن السبب الأساسي للمرض خلل جيني، معيق لاكتمال الطبقات القشرية لأدمغة الأجنة في بطون أمهاتهم، أما بقية الأسباب فهي مقترنة وليست رئيسة.

وفي هذا الصدد قالت باحثة الدكتوراة في الأمراض الاكلينيكية السريرية في جامعة القاهرة .”كان الارتفاع المتزايد في عدد الحالات المصابة بطيف التوحد سنويًا من أهم الأسباب التي دفعتني للخوض والبحث في أسباب هذا المرض، لتحديد كيفية علاجه”

واعتبرت الباحثة هذا الأنجاز العلمي بالكبير و الجديد الذي يضاف في مشوارها البحثي بعد أن طرحت في مرحلة سابقة اكتشافها لأسباب هذا المرض الذي يشغل العالم أجمع، بتطبيق المرحلة الأولي والثانية ضمن برنامج علاجي وتطبيق التجارب الاكلينيكية على سلالة الفئران التي تتطابق وتتماثل مع البشر. انطلاقًا من جامعة القاهرة، عبر دراسةٍ مختلفة، تناولت من خلالها الخارطة الجينية الرئيسة المسؤولة عن المرض، لكن ما كان صادمًا بالنسبة لها، ما واجهها من تناقض كبير مع نتائج الدراسات السابقة، التي كانت أيضًا نادرة، هذا غير أنها في مجملها كانت تتحدث عن كيفية التعامل مع مصابي طيف التوحد، وتعزيز سلوكياتهم، وتنمية مهاراتهم الحياتية، دون أن تضع يدها على السبب الحقيقي للإصابة.

ووضعت الباحثة قاسم عدد من الفرضيات التي كانت نقطة انطلاقٍ في بحثها مثل: هل المرض جيني؟ أم وراثي؟ نفسي، أم جسدي؟ هل تتشابه الأعراض في كل الظروف؟ أم أنها تختلف من دولةٍ لأخرى؟ “وهذه النقطة تحديدًا تطلبت الاستعانة بعدد من الدول العربية، انطلاقًا من فلسطين، ومصر، وتونس، والمغرب، والجزائر، وقطر ومؤخراً تركيا.

الجديد الذي جاءت به هذه الدراسة التي أجرتها الباحثة، فيما وُصفت بالإنجاز العلمي الكبير.
التوصل للعلاقة بين الجينات والمُخيخ في دماغ طفل التوحد وسبل الكشف وتعزيز العلاج الفعال للحالة .

ونضيف قاسم ” الجينات بَيتُ الداء، والمُخيخ بَيتُ الدواء يُعد هذا اكتشافاً قويا، من وجهة نظر علاجية فهذا الجزء من المخيخ هو هدف مغرٍ، وعلى الرغم من أن المخ يمثل الجزء الأكبر من الدماغ، ويمثل 85% من وزنه، ويشغل الجزء العلوي منه، وينقسم إلى نصفين. وهو مسؤول عن التحكم في حركات العضلات، وتخليق الهرمونات، وتطور العواطف والمشاعر وتخزين الذكريات والحفظ والتعلم،دليل على أن جزءاً معيناً من المخيخ وهو منطقة قريبة من جذع المخ والتي كان يعتقد طويلاً أنها لا تملك سوى أدوراً في تنسيق الحركة، بالغ الأهمية بالنسبة لسلوكيات التوحد. ويمثل كذلك هدفاً يسهل الوصول إليه من أجل تحفيز الدماغ عوضاً عن كثير من الدوائر العصبية المرتبطة بالتوحد والمدفونة عميقاً في طيات المخ.

وأشارت إلى أن المخ يعد بنية الدماغ التي تلتقط المحفزات من الحواس، وتتدخل في الوظائف الحيوية، وتسمح لنا بالتواصل مع العالم الخارجي، أي أنه مسؤول عن كل ما يتعلق بالتفكير والحركة ،إلا أن المخيخ ينسق بينها وبالتالي ضمان التحرك بشكل صحيح والتنسيق والتوازن وهنا يكمن السر.

وقالت “إن كان المخ مسؤول عن التحكم في كل ما يحدث في جسم الإنسان ، فإن المخيخ هو المنسق والمسؤول عن دمج كل المعلومات والأوامر التي يصدرها الدماغ , لانه المسؤول عن التأكد من أن حركاتنا الإرادية منسقة بشكل صحيح وأنها تحدث في الوقت المناسب، وهو يعرف أيضا باسم “الدماغ الصغير”. يتحكم المخيخ في الوظائف الجسدية مثل التوازن والتنسيق ويعمل كمنظم فسيولوجي. وهذا هو الهدف الرئيسي من هذه الدراسة في المرحلة الثالثة من البرنامج العلاجي الذي طرحته قاسم وتقول بعد معرفة الخلل الجيني المسؤول عن التوحد والذي ساهم بشكل كبير في تحديد مسار التشخيص والعلاج تقول :

ويعتبر التعديل العصبي تقنية مهمة في تحسين الخلل الاجتماعي لدى الأطفال المصابين بالتوحد، يكون له تأثير كبير على جودة حياتهم. استخدم البحث التعديل العصبي لإثبات أن البشر والفئران لديهم صلات متشابهة بين مناطق معينة داخل المخيخ والقشرة الدماغية والمرتبطة بالتوحد.

وأظهرت المراحل اللاحقة من الدراسة أن تعطيل الوظيفة داخل نطاق المخيخ أدى إلى سلوكيات توحدية وأن تحفيز الدماغ أدى إلى تصحيح الضعف الاجتماعي في الفئران. الخطوة التالية هي ضمان أن تكون نفس التقنية آمنة على الأطفال على الرغم لم تحظ هذه المنطقة من الدماغ بالاهتمام الذي تستحقه فيما يتعلق بفهم التوحد، من أجل فهم أفضل لدور المخيخ في تحفيز هذه السلوكيات استخدمت الباحثة التعديلات العصبية لتظهر أن البشر والفئران لديهم صلات متشابهة بين القطاع الأيمن من المخيخ والفص الجداري السفلي من القشرة.

استخدمت بعد ذلك الباحثة التصوير الدماغي لإثبات أن نفس هذه الصلات موزعة في مجموعة من الأطفال المصابين بالتوحد ونموذج فأر متوحد. إضافة إلى ذلك بينت أن أي خلل وظيفي في هذا القطاع من المخيخ لدى الفئران العادية أدّى إلى ضعف في التواصل الاجتماعي وسلوكيات غير طبيعية متكررة.

وقد ذهبت الباحثة لأبعد من ذلك فتساءلت عما إذا كان بإمكان التعديل العصبي أن يحسن السلوكيات. ومن خلال تحفيز الخلايا العصبية على نموذج الفأر المتوحد ، أظهرت الباحثة أن تحفيز المخيخ قد حسن من السلوكيات الاجتماعية لدى هذه الفئران ولكن ليس من التصرفات المتكررة التي تميز مرض التوحد.

وتوضح الباحثة قاسم أن التأثيرات المحدودة قد تعكس تدخل أجزاء إضافية من المخيخ أو ربما الإطار الزمني المقيد الذي يمكن من خلاله تصحيح بعض السلوكيات. وعلى الرغم من ذلك، فقد أشارت أيضاً إلى أن التعديل العصبي أدّى إلى استعادة السلوكيات الاجتماعية حتى عند الفئران البالغة. تشير هذه النتيجة أن الأطفال المصابين بالتوحد مازال بإمكانهم الاستفادة من العلاج حتى في حال تأخر التدخل إلى وقت متأخر من حياتهم.
وقالت الباحثة “أثارت النتائج التي توصّلنا إليها أفكاراً جديدة حول كيفية تورط المخيخ في التوحد، والأهم من ذلك أنها تشير إلى أن المخيخ يكون هدفاً علاجياً للمداواة، وبذلك يكون العلاج أكثر شمولية ودقة.”

وتؤكد قاسم أن البرنامج العلاجي الذي توصلت له تم تطبيق المرحلة الأولى والثانية منه على 219 مصابًا من عدة دول، وباختلافات في الجنس، ومدة الإصابة، ودرجتها، على ست مراحل، وروبوت لتعزيز نشاط خلايا الدماغ المسؤولة عن تعزيز الاستجابة الإيجابية للأطفال المصابين بطيف التوحد .والتي كانت ضرورة التركيز عليها في غاية الأهمية خاصة خلال تطبيق التجارب الإكلينيكية السريرية وتركيب الدواء ومعرفة الآثار الجانبية له ومدي توافقه مع طبيعة الفئات المصابة بالمستويات الثلاث الطفيف، المتوسط ، الحاد . فكانت النتيجة أن العلاج يختلف باختلاف الحالات ودرجة الإصابة ، رغم أن مراحل البرنامج العلاجي تم تشكيلها طبقاً للنتائج والفحوصات إلا أنه سيكون هناك تفاوت في تطبيق العلاج حسب طبيعة الحالة ودرجة الاصابة، هناك حالات ستحتاج البرنامج العلاجي كاملاً مع الدواء في مراحل دون أخري، وعلى فترات زمنية محددة ضمن نطاق محدد يختلف حسب طبيعة كل حالة ، وذلك لضمان تحقيق نجاح العلاج بالشكل الصحيح وتجنب الآثار الجانبية والانتكاسات السلبية على الحالة .

وختمت الباحثة أنه من غير المنطق اخضاع جميع الحالات لنفس البرنامج بنفس المستوي دون الأخذ بعين الاعتبار طبيعة ودرجة الاصابة حيث أن التركيبة الدوائية كانت طبقاً لنتائج كل تجربة تم اخضاعها سريرياً .

زر الذهاب إلى الأعلى