غزة الجديدة: امتداد للصراع أم نهاية لحكم حماس؟

بقلم: عبد الحميد عبد العاطي
رئيس التحرير
في كل حرب، هناك بداية ونهاية، لكن في غزة، تبدو النهايات مجرد محطات مؤقتة في صراع مستمر. اليوم، بعد شهور من القتال والمجازر والدمار، يطرح السؤال نفسه: هل نحن أمام “غزة جديدة” تختلف عن السابق، أم أننا نشهد إعادة إنتاج للمشهد بوجوه وأدوات مختلفة؟
ما بعد الأسرى: مرحلة جديدة من القتال؟
يراهن البعض على أن تسليم الأسرى قد يكون مقدمة لإنهاء الحرب، لكن التجارب السابقة والتاريخ العسكري الإسرائيلي يشيران إلى عكس ذلك. ففي كل جولة صراع، اعتادت إسرائيل استخدام المفاوضات كاستراحة محارب، تعيد فيها ترتيب أوراقها، قبل أن تعود بجولة جديدة من العدوان.
تجربة تاريخية: خدعة الفيتكونغ في حرب فيتنام
عند الحديث عن الحروب التي يتم فيها توظيف الخداع الاستراتيجي، لا يمكن إغفال تجربة حرب فيتنام (1955-1975)، حيث استخدمت الولايات المتحدة اتفاقية باريس للسلام عام 1973 كوسيلة لإنهاء تورطها في الحرب، معتقدة أنها تمكنت من فرض شروطها على الفيتكونغ (قوات المقاومة الفيتنامية الشيوعية) وحكومة شمال فيتنام.
لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا. فقد استغلت الفيتكونغ الاتفاقية كفرصة لإعادة تنظيم صفوفها، وتخفيف الضغط العسكري عنها، واستكمال استعداداتها للمرحلة الحاسمة من الحرب. وما هي إلا سنتان حتى انهارت الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في جنوب فيتنام، وسقطت العاصمة سايغون في 1975، معلنةً انتصار المقاومة الفيتنامية.
اليوم، قد يكون الوضع في غزة مشابهًا إلى حد ما، فإسرائيل قد تسعى إلى فرض “تسوية” تبدو في ظاهرها نهاية للحرب، لكنها قد تكون مجرد مرحلة انتقالية لإعادة ترتيب المشهد بما يخدم مصالحها. وفي المقابل، قد تستغل المقاومة هذه الفترة لترميم قدراتها، كما فعل الفيتكونغ، ما يجعل من “غزة الجديدة” ساحةً لصراع مستمر بأدوات وأساليب متجددة.
نهاية حكم حماس: حقيقة أم دعاية؟
منذ بداية الحرب، رفعت إسرائيل شعار “القضاء على حماس”، لكن هل هذا هدف قابل للتحقيق؟ صحيح أن الحركة تلقت ضربة قوية، وخسرت قيادات، وتعرضت بنيتها التحتية العسكرية والإدارية للتدمير، لكن الفكرة لا تُمحى بالقوة، والتنظيمات لا تُباد بالحروب. بل على العكس، فالتاريخ يثبت أن الجماعات التي تتعرض للقمع الشديد غالبًا ما تعود بأشكال أكثر تعقيدًا وأقل مركزية.
إضافة إلى ذلك، لا تزال هناك أسئلة بلا إجابات واضحة: من سيحكم غزة بعد الحرب؟ هل ستقبل إسرائيل بعودة السلطة الفلسطينية رغم ضعفها الواضح؟ هل سيتم فرض إدارة دولية أو عربية على القطاع؟ أم أن سيناريو الفوضى المقصودة هو الهدف النهائي؟
غزة الجديدة: من يملأ الفراغ؟
إذا كانت إسرائيل تسعى لإسقاط حكم حماس، فهي تدرك أنها لا تستطيع أن تحكم غزة بنفسها، كما أن الاحتلال يرفض عودة السلطة الفلسطينية للقطاع. الحديث عن “إدارة دولية” أو “حكم عربي” يبقى مجرد طروحات إعلامية، لكنها تعكس مخاوف الجميع من الفراغ السياسي الذي قد تخلفه الحرب. فغزة اليوم ليست مجرد أرض محاصرة، بل ساحة معقدة تتداخل فيها التوازنات الإقليمية والدولية، حيث تلعب مصر دور مركزي، وتتنافس القوى العالمية على التأثير في المشهد.
غزة… إلى أين؟
بين سيناريو استمرار القتال وسيناريو إعادة ترتيب الحكم، يبقى المؤكد أن غزة الجديدة لن تكون كما كانت. لكن هل ستكون هذه التغيرات في مصلحة سكانها، أم أنهم سيدفعون الثمن مرة أخرى كما في كل جولة صراع سابقة؟ هنا يبقى السؤال مفتوحًا، والإجابة مرهونة بما ستحمله الأيام القادمة من مفاجآت، أو ربما خدع سياسية جديدة تُعيد إنتاج التاريخ بصيغ مختلفة.