عيد الغزيين على وقع الحرب

فيما يبدو أن عيد الفطر في غزة هذا العام لن يكون إلا امتدادًا للحزن الذي التصق بأيام سكانها. صوت القصف يحل محل تكبيرات العيد، ورائحة الدمار تسبق رائحة الحلوى والعطور. هو عيد آخر بلا فرح، بلا أطفال يرتدون ملابس جديدة، وبلا زيارات عائلية تحمل معها التهاني. في غزة، لا تحتاج إلى البحث عن دليل لتعرف أن العيد فقد معناه منذ زمن طويل، فالمشهد وحده كافٍ ليخبرك أن الأعياد هنا لا تأتي إلا محملة بالوجع.
في ظل تعثر المفاوضات واستئناف القتال، يعود شبح الحرب ليخيم فوق القطاع من جديد، محاصرًا السكان في أزمة إنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم. لا طعام يكفي، لا دواء يداوي، ولا هدنة تمنح الغزيين فرصة لالتقاط أنفاسهم. وبينما ترتفع وتيرة الغارات الإسرائيلية، يبقى السؤال معلقًا: متى ينتهي هذا الكابوس؟ أو بالأحرى، هل من الممكن أن ينتهي أصلًا؟
المفاوضات التي عُلقت عليها الآمال لم تعد سوى مسرحية مكررة بحوارات مستهلكة، فإسرائيل تصر على الإفراج عن رهائنها دون شروط، بينما تتمسك حماس بمراحل الاتفاق التي يُفترض أن تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار. وفي لعبة الشروط والمطالب، يبقى المدنيون وحدهم يدفعون الثمن.
لكن، هل حقًا تريد حماس إنهاء هذه الحرب؟ أم أن الصراع أصبح فرصة لترسيخ مكانتها السياسية في ظل التغيرات الإقليمية والدولية؟ الحركة لا تنظر إلى هذه المواجهة باعتبارها معركة وجود فقط، بل تراها لحظة لإعادة ترتيب أوراقها، مما يجعلها أقل مرونة في تقديم التنازلات، وأكثر حرصًا على تأمين مستقبلها السياسي حتى لو كان ذلك على حساب الشعب الذي أنهكته الحروب.
على الجانب الآخر، تبدو الولايات المتحدة وكأنها تملك مفاتيح إنهاء الحرب، لكنها لا تستخدمها إلا في اللحظة التي تخدم مصالحها. واشنطن تدعو إلى وقف إطلاق النار، لكنها في الوقت ذاته تضمن استمرار تدفق السلاح لإسرائيل، وتضغط على حماس من دون أن تقدم رؤية واضحة لما بعد الحرب. هذا التناقض يجعل أي حل سياسي أشبه بحلم بعيد المنال، ويطيل أمد المأساة بلا أفق حقيقي للخروج منها.
ورغم التحركات الدبلوماسية التي تقودها مصر وقطر، إلا أن الجميع يدرك أن أي اتفاق يتم التوصل إليه سيكون هشًا، وسينكسر مع أول اختبار على الأرض. فالتاريخ القريب يؤكد أن غزة تعيش بين هدنة وأخرى، وكل تهدئة مؤقتة ليست سوى استراحة بين جولتي صراع.
لكن الجديد هذه المرة هو صوت الاحتجاجات. لأول مرة، يخرج سكان غزة في تظاهرات تطالب برحيل حماس، في مشهد كان من الصعب تخيله قبل أشهر. لم يعد الخوف كما كان، ولم يعد الصمت خيارًا، فالأوضاع الاقتصادية والانسانية دفعت كثيرين إلى كسر حاجز الرهبة والحديث بصوت مرتفع. ربما هذه ليست موجة كبيرة بعد، لكنها مؤشر على أن معادلة السلطة في غزة لم تعد كما كانت.
في النهاية، ستنتهي هذه الحرب كما انتهت التي قبلها، وستبقى غزة تبحث عن عيد لا يُشبه هذا الحزن الممتد. أما متى سيأتي هذا العيد؟ فلا أحد يملك إجابة واضحة، لأن في غزة، السلام لا يأتي إلا مؤقتًا، والفرح لا يزور إلا خاطفًا، ثم يرحل سريعًا، تمامًا كما تأتي الأعياد وتمضي، بلا أثر سوى في ذاكرة من ظلوا على قيد الحياة.
مسك محمد