عن تداعيات وقف الحرب
المواطن – غزة
الكاتب: رجب أبو سرية
عن تداعيات وقف الحرب ..رغم أن الاتفاق على صفقة التبادل، التي وقعتها إسرائيل وحماس الأسبوع الماضي قي الدوحة، لا تؤكد على وقف الحرب، بل نصت على وقف لإطلاق النار محدد بستة أسابيع، هي مدة تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، فيما يبقى احتمال متابعة الحرب قائماً، ما لم يتم الاتفاق على المرحلة الثانية، رغم ذلك فإن تداعيات اتفاق الطرفين على اتفاق وضعه الرئيس الأميركي السابق جو بايدن على طاولة التفاوض، وأيده بقرار من مجلس الأمن الدولي في أيار العام الماضي، قد بدأت فور الإعلان عن الاتفاق، خاصة على الجانب الإسرائيلي، وكان أهم تداع حتى الآن هو إعلان وزراء حزب العظمة اليهودية الثلاثة في الحكومة الإسرائيلية استقالتهم، ورغم أن ذلك لا يعني انتقال الحزب المتطرف من مقاعد الحكومة الى مقاعد المعارضة، إلا أنه مؤشر على ما كانت عليه الحكومة الحالية من جنوح للحرب، وتأكيد على كل التقديرات التي قالت بأن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية قد أطال أمد الحرب للحفاظ على الائتلاف الحاكم.
ورغم أن استقالة بن غفير من الحكومة ومعه وزراء حزبه لا تعني تفكك الائتلاف وسقوط حكومة نتنياهو، كما لا يعني تبكير موعد الانتخابات، الذي يقترب من نهاية العام الحالي، إلا أنها تزيد من الضغط الداخلي على نتنياهو، ذلك أن المشكلة تكمن في جوهر وكنه تلك الحكومة المتطرفة بمعظمها، إن لم يكن بكلها، ومن المؤكد بأن حكومة نتنياهو ستكون أمام اختبار آخر، بعد أقل من ستة أسابيع، أي مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق الصفقة، بل قبل ذلك بكثير، نقصد بأنه خلال الأسابيع التالية للأيام الأولى من بدء تنفيذ الصفقة، سيتضح إن كان الاتفاق سيمضي قدما، نحو المرحلتين الثانية والثالثة، ويتحول بذلك الى اتفاق لإنهاء الحرب، أم أنه سيتوقف عند المحطة الأولى، ولن يعدو كونه بذلك مجرد هدنة مؤقتة للمتحاربين، وكما تدل عليه صفته، وهي اتفاق وقف إطلاق للنار، وليس اتفاق وقف للحرب.
وكما كان التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، بما ظهر عليه، نتيجة تدخل إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب قبل أن يتولى مهام الحكم رسمياً، فإن متابعة الاتفاق ومصيره ستحدده تلك الإدارة، ذلك لو أن الأمر اقتصر على الحكومة الإسرائيلية، فإنها انطلاقاً من طبيعتها الفاشية، لن تتوقف عن مواصلة حرب الإبادة بكل ما تحتويه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، الى أن تهزم عسكرياً، تماماً كما حدث مع كل حكومات التوسع الاستعماري، ومع الأحزاب والقوى الفاشية التي سعت الى السيطرة والهيمنة على الآخرين، لكن كما يعرف الجميع، فإن أحدا لا يمتلك القدرة على التأثير أو على وقف نتنياهو كما قال الجميع بالوصف، سوى الولايات المتحدة، وهكذا فإن السؤال هنا هو: هل سينجح نتنياهو في التحكم بترامب كما فعل مع بايدن، وحتى كما تحكم بترامب نفسه في ولايته الأولى، أم أن ترامب في الولاية الثانية سيكون مختلفا كما هو حال الرؤساء الأميركيين عادة، في ولايته الثانية؟
بالعودة الى تداعيات وقف إطلاق النار، لا بد من تكرار القول، بأن الحرب قد غيرت ملامح كل شيء على طرفيها، فهي أعادت ترتيب الاصطفافات الداخلية والخارجية، على مستوى طرفيها داخلياً، وعلى مستوى تحالفاتهما الإقليمية، وحدود تداعياتها لن تتوقف عند حدود سقوط نظام الأسد، ولا عند حدود إشغال موقعي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة اللبنانية، ولا عند حدود الربط بين جبهات الإسناد بإعلان محور مقاومة إقليمي، بل إن التداعيات بدأت تظهر داخل إسرائيل وربما فيما يخص الرأس القيادي لحماس، فإسرائيل حتى الآن غيرت معظم قيادة حكومة الطوارئ، وبعد أن خرج بيني غانتس وغادي ايزنكوت من تلك الحكومة، احتجاجاً على إفشال نتنياهو مبادرة بايدن في شهر أيار، أقدم نتنياهو على إقالة وزير الحرب منذ تشكيل حكومته الحالية، يوآف غالانت، ومن ثم ها هم قادة الجيش يقدمون استقالاتهم، في متوالية لاستقالة رئيس هيئة الأركان هيرتسي هاليفي، أي أن إسرائيل اليوم باتت دون معظم القيادة العسكرية، وحتى القيادة السياسية التي قادت الحرب، وكل ذلك تأكيد على الفشل العسكري على الجانب الإسرائيلي.
أما حماس فبالتأكيد ستكون كما هو حال حزب الله، هناك تداعيات لاغتيال قيادتها الأولى، وقد تتحول بوصلة وجهتها السياسية العامة وفقاً للتغيرات وإعادة الاصطفافات الإقليمية، التي تسببت بها الحرب، فحيث كان اغتيال حسن نصر الله وفؤاد شكر وإبراهيم عقيل وهاشم صفي الدين، سببا في الموافقة أولا على اتفاق وقف إطلاق النار، ومن ثم في انتخاب الرئيس جوزيف عون، والأهم في اختيار نواف سلام رئيسا للحكومة، وهو الرجل الذي سبق لحزب الله أن منع اختياره للمنصب قبل سنوات حين طرح اسمه كمرشح له، والأهم ما يظهر من عدم قدرة الحزب على التدخل ازاء الخروقات الإسرائيلية التي تجاوزت منذ وقت 500 خرق لاتفاق وقف اطلاق النار، فيما سيتضح تماما مستقبل الحزب، إذا ما ذهبت الأمور الى تحوله لحزب سياسي يكتفي بمزاحمة حركة أمل على تمثيل الشيعة في حصتهم السياسية، وقمتها منصب رئيس المجلس النيابي، فيما يترافق ذلك بعملية دمج مقاتليه في الجيش اللبناني.
أما حركة حماس فتبدو أكثر قوة وتماسكا من حزب الله، وهذا أمر محير فعلاً، نظراً لما كان عليه حزب الله من قوة عسكرية، ومن تمتع بتضاريس جغرافية أفضل، فيما كانت حماس تمتلك امتياز السيطرة على قطاع غزة وحدها، أما حزب الله فظل يواجه الداخل اللبناني بمكوناته الطائفية فيما يخص قرارات الحرب التي يتخذها، وفيما يخص حتى سلاحه ووجوده العسكري على أرض لبنان، لكن حماس أيضا تعرضت لضربة لم تقتصر على قوتها الميدانية وحسب، ولكن وصلت لحد اغتيال رئيس مكتبها السياسي ونائبه، أي إسماعيل هنية وصالح العاروري، والأهم منهما رئيس المكتب السياسي خلفا لهنية، وقائد الميدان المقاتل، يحيى السنوار، لكن حماس حركة مقاومة أكثر من حزب الله ومن كل أطراف محور المقاومة، وحيث أنه مع وقف إطلاق النار أخذ نجم خليل الحية بالسطوع، بما قد يعني احتمال تبوئه لمنصب قائد حماس، فإن من شبه المؤكد أن يسبق ذلك، أخذ بالاعتبار ما انتهت إليه الحرب، من تكسير لأيدي محور إيران، ومن عودة لتصاعد نفوذ أنصار تركيا وقطر، الذين كانت عليهم حماس خلال فترة الربيع العربي.
يمكن أن تمضي حماس قدماً بهذا الاتجاه، وربما مستقبل «النصرة» والجيش الحر، وباختصار قيادة الجولاني أحمد الشرع في سورية، هو الذي سيؤثر على هذه الوجهة، وحيث أن الدول العربية الخليجية المؤثرة، أي قطر والسعودية والإمارات تبدي رغبتها في التعاون مع الشرع، فإن نسخة ثانية من القيادة السورية الجديدة، يمكن أن تظهر على وجه حماس، وهناك ما يغري حماس ويشجعها على ذلك، مع رافعة اطلاق سراح آلاف المعتقلين الفلسطينيين، والحديث عن تجديد السلطة، بحيث ترث حماس المعدلة كل محتويات الملف الفلسطيني، لكن ذلك يحتاج الى طرد نتنياهو وبتسئليل سموتريتش من الحكومة الإسرائيلية، وانتظار انتخابات اسرائيلية قادمة، كما أنه يظل رهنا بالطريق الفعلي الذي سيسير عليه ترامب.
ترامب قال بأنه يسعى للسلام والى انهاء كل الحروب، ورغم حلاوة هذا الكلام، إلا أنه مبهم، فهو من جهة وإن كان يغلق الباب أمام حروب نتنياهو التي ما زال يريدها، بحجة الحاق الهزيمة بمحور ايران، إلا أنه من جهة ثانية لا يفصح عن ثمن السلام، ولا عن مدخله، فهو لا يقول مثلا بأن ذلك يستند لحل الدولتين، أو أنه سيعود للحديث عن صفقة العصر مثلا، وهو يؤكد ارتباط السلام بالتطبيع بين إسرائيل والسعودية، ويدرك بأن للتطبيع مع السعودية ثمناً غالياً، وهو الدولة الفلسطينية، وأخطر ما في أمر ترامب وطاقمه المتطرف جدا، انهما ليسوا منحازين لإسرائيل، بل للتطرف اليميني الإسرائيلي، وآخر ما قاله ترامب أنه غير واثق من أن وقف النار سيستمر، أي أنه يتوافق في هذه الجزئية تماما مع نتنياهو الذي بقي له أن يتعلق بآخر خيوط الحكم الواهية بأهداب سموتريتش، الذي امتنع عن مرافقة بن غفير، في انتظار أن يسقط وقف إطلاق النار، بانتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، دون متابعتها بمرحلة ثانية فثالثة.
هكذا تمضي الأمور بما يمكن وصفه بوقف لإطلاق النار، دون إنهاء للحرب، أو بالقول بأن الحرب انتهت دون أن ينتهي الصراع، وها هي إسرائيل المتطرفة تجد طريقها متطابقة مع مسار الحرب، فما أن توقفها في لبنان حتى تعود لها مجددا في غزة، وما أن توقفها في غزة حتى تشعلها في جنين، وما أن تتوقف عن مدها بالحطب، حتى تبقي عليها تحت الرماد.