أقلام

على إسرائيل أن تنظر في المرآة

كتب طلال عوكل :

لكأنّ الجندي المصري محمد صلاح، أراد أن يدقّ الخزّان بقوّة، ويعلن رسالته إلى العالم، وإلى إسرائيل المحتلّة أولاً، بوضوح لا يوجب تحقيقاً للوقوف على دوافعه.
تتعدّد الأسماء من أيمن إلى محمد وما بينهما، دون أن تترك خلفها أيّ شبهات غير وطنية، لما أقدموا عليه، فهم ليسوا من جماعات «الدواعش»، وليسوا من «القاعدة»، ولا من «الإخوان المسلمين» التي تترنّح أمام الجيش والشعب المصري.
قد يكون هؤلاء وغيرهم، من المتديّنين، على الطريقة الشعبية التي ترفض أن يكون التديُّن مرتبطاً بأحزاب، أو مؤسّسات تُكفِّر من لا ينتمي إليها.
هو حال الشعوب الإسلامية ومنها العربية، وبالتأكيد الفلسطينية، التي يغلب عليها التديُّن الشعبي، الذي يشكّل عمقاً للوطنية وترفض الاستعمار وكلّ أشكال الظلم.
لعلّها المصادفة فحسب حيث يتشارك محمد صلاح الشهيد مع محمد صلاح أسطورة الكرة المصرية والعالمية، وكلاهما يحمل علم مصر الأوّل في ميدان القتال حتى الشهادة، والثاني في ميادين كرة القدم.
مصر الرسمية قدّمت روايتها، بطريقة دبلوماسية، بالصيغة التي تشير إلى التزامها بالاتفاقيات المعقودة مع دولة الاحتلال، غير أنّ دولة الاحتلال لم تقبل الرواية، ولكنها مضطرّة ولا خيار أمامها سوى أن تقبل الهدف من الرواية المصرية.
إسرائيل رغم وجعها، ليست في وضع يسمح لها، باستخدام لغة التهديد والوعيد، وإعلان الرغبة في الانتقام، أو اللعب مع دولة مصر الكبيرة التي لا تقبل التهديد.
ليس على المحتلّ الإسرائيلي سوى أن يُودّع قتلاه، وأن يطلب من الجانب المصري التدقيق في تاريخ وهوية الجنود الذين يقفون على الحدود، واتخاذ المزيد من الإجراءات لمنع تكرار الحدث.
وبدلاً من الدعوة لتحقيقٍ مشترك، مهما كانت نتائجه فإنها لن تضيف شيئاً إلى جوهر الحدث ومجرياته ودوافعه، والأفضل أن تنشغل الدوائر الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في التحقيق بأسباب ما وقع في الجانب الإسرائيلي، ومع جنودها وترتيباتها على الحدود.
حتى حين تشخّص التحقيقات الإسرائيلية، أو المشتركة مع الجانب المصري أنّ الجندي صلاح، كان خطّط مسبقاً ومنذ فترة كافية من الوقت للقيام بما قام به، وأنّ دوافعه وطنية وبعيدة عمّا يدّعيه الطرف المصري من أنه كان يُلاحق مُهرّبي مخدّرات، فإنّ ذلك لا يعني شيئاً ولا يحمّل الجانب المصري أيّ مسؤولية.
ما أقدم عليه صلاح، في منطقة العوجا وأدّى إلى مقتل جنديّين ومجنّدة، وإصابة اثنين آخرين، قد يتكرّر مرّة ومرّات أخرى، وأيضاً دون أي إمكانية لتحميل الجانب المصري أي مسؤولية.
ما أقدم عليه الشهيد صلاح ليس سياسة رسمية، ولم يكن بتوجيهات من أي مستوى قيادي مصري، ما يعني أنّه تحرّك بمفرده، ودون علم أحد من زملائه، أو من عائلته، فمن يستطيع أن يكتشف هدفه قبل أن يُقدِم على تحقيقه.
نماذج محمد صلاح موجودة على نحوٍ واسع في الضفة الغربية والقدس المحتلّة، ما يشكّل معضلة لكلّ الدوائر الاستخبارية الإسرائيلية وغيرها من الدوائر الأمنية.
يمكن لإسرائيل بما تملك من إمكانيات استخبارية وتكنولوجية وتعاون من قبل عملائها أن تكتشف مجموعات تنوي القيام بعمليات عسكرية، وأن تُحبِط مثل هذه العمليات قبل وقوعها ولكنها عاجزة تماماً، إزاء الحالات المنفردة التي تمتلك الإرادة والدوافع للقيام بعملية ضدّ الجيش أو المستوطنين.
تعرف إسرائيل هذه الحقيقة، وتعترف بعجزها عن مواجهتها ولها أن تقبل أو ترفض أو تحتجّ على الرواية المصرية الرسمية، ولكن ليس عليها سوى أن تكبت غضبها، فهي لا تستطيع جباية الثمن.
تالي جوتليب عضو الكنيست عن «الليكود» شنّت هجوماً حادّاً على وزارة الدفاع المصرية وبيانها حول عملية الحدود.
تخاطب جوتليب وزير الدفاع المصري محمد زكي وتقول له: «لا تستهزئ بجمهور إسرائيل وترسل التعازي في القتلى من الجانبين فالجندي المصري لم يُطارد مُهرّبين».
تحتج النائبة الليكودية، لأنّ زكي يعزّي بالشهيد محمد صلاح، وترفض أن يضعه إلى جانب قتلى الجيش الإسرائيلي، وربما كانت تنتظر أن يتضمّن بيان وزارة الدفاع المصرية إدانة أو شجباً واستنكاراً لما قام به الجندي محمد.
يبدو أنّ الدوائر الإسرائيلية السياسية والأمنية وحتى المدنية لا ترغب في الاطلاع على منصّات التواصل الاجتماعي وما يكتبه ويقدّمه النشطاء من المصريين والعرب، في التعليق على العملية.
كثير من الفيديوهات، حول قوّة وإمكانيات الجيش المصري، وكثير من الأغاني الجديدة التي تمجّد العملية وبطلها، ومئات التعليقات التي تشيد ببطولة محمد صلاح والشعب والجيش المصري.
لا أدّعي أنني أتابع كل منصات التواصل الاجتماعي ولكنني بالقدر الذي مكّنني من المتابعة، لم أقرأ أو أسمع أو أشاهد أي انتقاد أو استنكار لما قام به الشهيد محمد.
على إسرائيل أن تنظر في المرآة، لكي تعرف وحتى لو لم تعرف بأن سياساتها وممارساتها العنصرية والاحتلالية والفاشية، هي السبب الأساسي خلف كلّ هذه الكراهية التي تجتاح العالمين العربي والإسلامي، والذي سينفجر يوماً.

زر الذهاب إلى الأعلى