أقلام

عـضــة أســـد

كتبت سما حسن :

لسبب مجهول لا أحب الرحلات الداخلية، وكنا منذ صغرنا نعلم أولادنا عن السياحة الداخلية والخارجية، ولم أفكر يوماً في ان أخرج في نزهة لمكان مخصص للاستجمام داخل قطاع غزة، ربما لأن قطاع غزة منطقة مغلقة وصغيرة وضيقة وفقيرة، ربما لأنك خرجت ورأيت أساليب الحماية والأمن المتبع في بلدان مجاورة، وأن ذلك لم يمنع حدوث حوادث متفرقة، حتى قبل سنوات سمعنا عن التهام الأسد لحارسه في أكبر سيرك عربي وهو سيرك الحلو، ولأن هذه الحادثة كانت مؤلمة وموجعة فلا زالت متداولة حتى اليوم، حتى أن الأسد قد التهم نفسه بسبب شعوره بالذنب، ولا أحد يعرف الدافع وراء سلوك الأسد غير المبرر.
لم أفكر يوماً أن أجمع صغاري ونخرج في رحلة داخلية كما قلت، فلم أكن أحب تلك الرحلات التي نخرج بها من حدود النظام المنزلي، وأنا أعرف جيداً أن الصغار حين يطلبون الخروج في رحلة يعني انهم قد بلغوا آخر درجات الفضول او اوسطها في مراحل نموهم العقلي، وأن فضولهم سوف يوقعهم في حوادث لا محالة، مثل الفضول الذي قتل القط كما يقولون، ولذلك فأنت حين تخرج مع الصغار سوف تكون في كل خطوة تخطوها في حالة استعداد قادم لمشكلة او حادثة او إصابة.

رب قائل سيقول هل معنى ذلك ان يبقى الصغار حبيسي البيت مثلاً؟ وهذا ليس من أسس التربية القويمة، والصحيح ان الصغار لن يبقوا حبيسي البيت وفي نفس الوقت لن يطلق لهم العنان حتى آخر المدى ومرة واحدة.
يغيب عن الأمهات الحديث مع أطفالهن عن خطورة الحيوانات في حديقة الحيوان والتمهيد لذلك في اكثر من مناسبة، فالأسد حيوان مفترس ولكن الفضول اقوى من معنى الكلمة، والحديث مع الطفل يجب ان يكون بالتدريج حول السرعات المتفاوتة، ما بين الأسد في الغابة وبين حيوان آخر يطارده، ولذلك فعلى الأم أن ترسخ لدى طفلها ان الخطر يكمن في كل ما يدور حول الأسد، وعلى بعد امتار كثيرة وليس في حدود قفصه وحوله فقط، فالمعروف ان الحيوانات المفترسة توضع في اقفاص حديدية ولديها أكثر من حاجز من جميع الجوانب لمنع أي اقتراب او حتى التصوير عن قرب، لأن الحيوانات تتوحش وتُثار بسبب الحشود والازدحام، خاصة في حال جوعها او تعرضها لعنف سابق.

المفروض ان الأم حين تخرج مع أطفالها ان توزع المسؤوليات أيضا مع المرافقين، سواء كان الأب او مثلاً الخالة او العمة، فهناك شخص كبير يجب ان يكون مسؤولاً مسؤولية كاملة عن طفل، ولا تكون المسؤولية كلها فوق كاهل الأم.
ومن المفروض عدم الخروج في رحلات لقضاء وقت طويل يسمح للطفل بأن يتوه او يتحرك خارج دائرة الأسرة المرافقة، وكذلك إصابة الطفل بالملل، فالطفل الذي يرى الأسد لأول مرة فهو يريد ان يراه عن قرب او أن يرى ماذا يوجد أمامه من طعام، او ان يرى كيف ينام ويغمض عينيه، ولذلك فيجب ان تكون النظرة عامة وسريعة لأن الفضول سوف يدفع الطفل للاقتراب أكثر وأكثر مع طول ومرور الوقت.

علينا كأمهات وآباء ان نعرف ان الحذر لا يمنع القدر، ولكن ذلك لا يعني التساهل مع الأطفال وتركهم يلهون بعيداً عن الأعين، بدعوى انهم قد خرجوا في نزهة، فالنزهة يجب ان تكون في مكان تتوفر فيه كل أساليب الحماية والأمان المتطورة والمحدثة، والحديث لن يكون سليماً ولا مناسباً بالنسبة لبلد فقير محاصر مثل غزة لا تتوفر فيه مثل هذه الإمكانيات مثل الحراس المدربين بطلقات تخدير وطلقات حقيقية، وترك الأمر للصدفة القاتلة او للاعتقاد بأن الصغار يخافون ولن يتقدموا نحو فم الأسد.
الحادثة الأخيرة التي قُتل فيها طفل في الثامنة في غزة بعد ان عضته اللبؤة لأنه اقترب منها فنهشته بطريقة وحشية ومات ميتة بشعة أوجعت القلوب، ولذلك فيجب ان تكون النزهة لمرة واحدة في مكان مفتوح في فصل الربيع مثلاً، وعلينا ان نوفر لأطفالنا المكان الآمن الذي تتوافر فيه سبل السلامة بعد ان نزوره منفردين، ونتأكد من ان القائمين على المكان يهتمون بأدق التفاصيل لأن حياة أولادنا ليست رخيصة، ولأن كل رحلة نتمنى ان تنتهي نهاية سعيدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى