رئيس الوزراء محمد مصطفى يكتب في واشنطن بوست: خطة اليوم التالي لغزة
قبل خمسة أسابيع تم تسجيل مرور 300 يوم على الحرب على غزة. مثل هذه المستويات من القتل الجماعي، والدمار، والتهجير القسري، وتجويع شعبنا لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث.
في غزة، يسود الخوف واليأس مع سقوط القنابل بلا توقف. تتجمع العائلات معًا في ملاجئ مؤقتة بعد أن تحولت منازلهم إلى أنقاض. المدارس والمستشفيات، التي كانت يومًا ملاذات آمنة، أصبحت أهدافًا للهجمات. صرخات الأطفال المذعورة تخترق الليل بينما يكافح الآباء لحمايتهم. رائحة الموت تملأ الأجواء، وتتم عمليات الدفن بسرعة وبأقل كرامة. يزداد الجوع والعوز مع نقص الغذاء والماء النظيف والإمدادات الطبية. جرائم الحرب والمجازر تثقل كاهل شعب عانى طويلًا أكثر مما ينبغي.
ومع ذلك، وسط هذا الدمار، يوجد صمود ورفض للاستسلام لليأس. هذا المعاناة، التي هي نتيجة لكل من الحرب والاحتلال المستمر، يجب أن تنتهي لتحقيق السلام والاستقرار.
منذ تشكيل حكومتي في أبريل، نعمل بلا كلل على استقرار الوضع المتدهور في الضفة الغربية، بينما نستعد أيضًا لـ “اليوم التالي” في قطاع غزة. نحن ملتزمون برفاهية وأمن وكرامة شعبنا، وقيادة جهود التعافي وإعادة الإعمار بمجرد التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. سيتم ذلك بالتوازي مع استمرار تنفيذ الإصلاحات الأساسية لترسيخ أسس دولة فلسطينية مستقلة.
مع وقف إطلاق نار دائم، فإن الحكومة الفلسطينية مستعدة لاستئناف مسؤوليتها عن قطاع غزة، وقيادة الجهود لدمج الحكم بالكامل بينه وبين الضفة الغربية. هذا التكامل ضروري ليس فقط لتحقيق الإغاثة الفعالة والتعافي وإعادة الإعمار في غزة، بل هو أيضًا خطوة نحو الهدف الأوسع لتحقيق اتفاق سياسي دائم يتماشى مع القانون الدولي وحل الدولتين.
رؤيتنا لـ “فلسطين واحدة”، القائمة على وحدة الشعب الفلسطيني وهويتنا المشتركة، هي جوهر هذا الجهد. وبينما نسعى بثبات لإنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي وتحقيق حقنا في تقرير المصير، ستوجه هذه المبادئ عملية إعادة بناء غزة وحكمها، مما يساهم في معالجة الأزمة الإنسانية غير المسبوقة ووضع الأساس للسلام والاستقرار الدائمين.
ومع ذلك، لا يمكننا تحقيق ذلك بمفردنا. الدمار الواسع واحتياجات التعافي الهائلة في غزة تتطلب استجابة منسقة وقوية من المجتمع الدولي. إدارة غزة، واستعادة الخدمات الأساسية، وإعادة بناء المنازل والبنية التحتية، واستقرار حياة ومعيشة شعبنا ستحتاج إلى التزام ودعم دولي كبير. بدون التضامن العالمي والعمل المشترك، سيكون مسار التعافي والسلام الدائم بعيد المنال.
دعم وتسهيل حكومة فلسطينية غير حزبية أمر ضروري لحكم وخدمة شعبنا في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. تمكين السلطة الفلسطينية من تقديم حكم استجابي وشفاف وخاضع للمساءلة هو الطريق الشرعي والوحيد الممكن للمضي قدمًا. هذا النهج ضروري ليس فقط لإعادة بناء غزة، بل أيضًا لضمان أن المنطقة الأوسع تتجه نحو مستقبل عادل ومنصف ومزدهر.
خطة اليوم التالي لدينا لحكم غزة هي جزء من جهد أوسع لتمكين الحكومة الفلسطينية، وإعادة بناء الثقة بين مواطنينا، وتعزيز أسس الديمقراطية على المستويين المحلي والوطني. وتستند هذه الخطة إلى الركائز الرئيسية التالية:
الإغاثة والتعافي المبكر
ستحتاج جهود الإغاثة الفورية والتعافي المبكر، بقيادة وتنسيق استراتيجي من الحكومة الفلسطينية، إلى دعم من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وغيرها من الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى المانحين والشركاء الدوليين النشطين بالفعل في غزة، إلى جانب مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني الفلسطيني. تشمل الأولويات إزالة الأنقاض، توفير مأوى مؤقت يضمن الكرامة، واستعادة الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والطاقة والصحة والتعليم. كما أن الدعم الفوري لاستعادة سبل العيش والتعافي الاقتصادي أمر بالغ الأهمية. سيتم تنسيق هذه الجهود بشكل وثيق مع الوزارات والوكالات الفلسطينية. سيتم إنشاء لجنة التعافي المبكر لغزة لتنسيق جميع الجهود مع خطة الحكومة الشاملة للإغاثة والتعافي وإعادة الإعمار.
إعادة الإعمار والتعافي على المدى الطويل
سيتم تأسيس وكالة مستقلة لقيادة وتنسيق وإدارة جميع جهود إعادة الإعمار والتعافي على المدى الطويل في غزة. ستعمل هذه الوكالة باستقلالية مالية وإدارية كاملة، وستكون خاضعة للتدقيق وفقًا لأعلى المعايير الدولية. سيتم الإشراف عليها من قبل مجلس إدارة يضم شخصيات فلسطينية محترمة، بما في ذلك أعضاء من الشتات. لضمان الشفافية والمساءلة، سيتم إنشاء صندوق إعادة إعمار غزة في البنك الدولي، مع إشراف مالي وإرشادات مقدمة من مجلس استشاري دولي.
الأمن وسيادة القانون ومراقبة الحدود
سيستلزم استعادة الأمن وسيادة القانون في غزة إعادة هيكلة قوة الشرطة بالإضافة إلى إعادة دمج وتنسيق الموظفين بناءً على القدرة والاحتياجات. ستشمل هذه العملية موظفين من فترة ما قبل وبعد 2007، وذلك بناءً على التحقق من الخلفية وتقييم القدرة. سيقوم القيادة العليا للشرطة، التي تعينها الحكومة الفلسطينية، بالتنسيق أيضًا مع رؤساء المجالس البلدية لضمان إدارة محلية فعالة واستجابة. سيلعب الشركاء الدوليون دورًا حيويًا في توفير المعدات اللازمة ودعم بناء القدرات. بالإضافة إلى ذلك، قد تسعى الحكومة الفلسطينية للحصول على المساعدة الأمنية الدولية حسب الحاجة. ستدير السلطة الفلسطينية مراقبة الحدود في غزة، مع دعم دولي مؤقت من الجهات المعنية، كما كان الحال مع بعثة المساعدة الحدودية التابعة للاتحاد الأوروبي في عام 2005.
تكامل المؤسسات والخدمة المدنية
تؤكد خطتنا على الحاجة الملحة لتكامل وتنسيق المؤسسات والخدمة المدنية عبر الضفة الغربية وغزة. لتسهيل ذلك، سنقوم بتعيين قيادة مؤقتة رفيعة المستوى للمؤسسات الحكومية في غزة، تعمل بشكل مؤقت حتى يتم اختيار المديرين الدائمين من خلال عملية شفافة تعتمد على الجدارة. سيتم اختيار الموظفين بناءً على الاحتياجات التقنية، مع الالتزام بجميع قرارات التوظيف بمعايير قائمة على الجدارة والشفافية.
استعادة وظائف الحكومة المحلية
كخطوة فورية لاستعادة وإعادة دمج الحكم المحلي في غزة وضمان امتلاك محلي لعملية التعافي، سأقوم بتعيين شخصيات محلية مستقلة ومؤهلة تأهيلاً عالياً في المجالس البلدية والمحلية لمدة عام واحد. ستُمنح هذه المجالس ميزانيات لدعم المشاريع المحلية التي تلبي الاحتياجات العاجلة وتوفر فوائد ملموسة لشعب غزة، وفقًا لإرشادات واضحة تحددها حكومتي. في نهاية فترة الانتقال التي تمتد لعام واحد، ستُجرى انتخابات للحكم المحلي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة لضمان التفاعل الديمقراطي والمشاركة والتمثيل في الحكم المحلي.
الدمار غير المسبوق في غزة يتطلب ليس فقط دعمًا عالميًا جادًا، بل أيضًا التزامًا جماعيًا بالإعمار والتعافي. ندعو جيراننا العرب وجميع الدول الشريكة للوقوف معنا في هذا الجهد الضخم. معًا، يمكننا تلبية الاحتياجات الفورية لشعبنا، واستعادة الخدمات الأساسية، وإعادة بناء الاقتصاد، وإعادة إشعال الأمل.
هذا المسار، رغم تحدياته، هو الطريق الوحيد القابل للتنفيذ وهو الذي يضع الأسس للسلام والأمن والازدهار الدائم. ليس الأمر متعلقًا فقط بمستقبلنا كشعب فلسطيني، وسعينا الثابت لتحقيق تقرير المصير، وحقنا في العيش بحرية وكرامة؛ بل هو أيضًا لضمان الاستقرار ومستقبل أفضل لجميع الناس في المنطقة.