أقلام

دولة الاحتلال ووجها العنصري

بقلم| عبد المنعم فياض سعدون

باءت جميع محاولات إسرائيل لإخفاء النظام العنصري الذي تفرضه حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالفشل، بعد أن صرح تامير باردو، الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي، لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية أن إسرائيل تطبق نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) في الضفة الغربية المحتلة. وأضاف باردو أن القوانين المفروضة على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة هي قوانين عسكرية متحيزة ضد الفلسطينيين، بينما تُطبق القوانين المدنية على المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون مع الفلسطينيين في نفس المكان. وتُعتبر هذه التصريحات من أبرز وأهم المواقف السياسية التي أعلنها مسؤول إسرائيلي، وتتزايد أهميتها بنظرٍ إلى منصب باردو الأمني العالي
ليست تصريحات باردو خارجة عن سياق الأفعال والتصريحات الرسمية الإسرائيلية التي تدين إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري، إذ أطلق مؤخرًا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير المزيد من التصريحات العنصرية، وقد وصفت تلك التصريحات بأنها غير مسبوقة وتشير رسميًا إلى حكم الأبرتهايد في إسرائيل. وصرح بن غفير بأن حقوقه وحقوق زوجته وأبنائه في الضفة الغربية أكثر أهمية من حقوق العرب، بما في ذلك حق التنقل. وفي نفس السياق، صرح نتنياهو لشبكة سي إن إن في فبراير الماضي بأنه لا ينوي استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين، لأن خططه لا تشمل إقامة دولة لهم. وأعرب عن فكرته حول “السلام العملي”، التي تتضمن السماح للفلسطينيين بإدارة شؤونهم المدنية داخل الأراضي التي تخضع للسيادة الإسرائيلية الفعلية، دون تمكينهم من أي حقوق سياسية. وبشكل مختصر، فإن ما طرحه نتنياهو يعتبر إعادة صريحة وواضحة لتعريف نظام الأبرتهايد القانوني، مماثلاً لمفهوم “السلام العملي” للفلسطينيين، وفقًا لمركز مالكوم كير كارنيجي
بشكل ضروري، فإن تقرير هيومن رايت ووتش وتقارير دولية أخرى صدرت منذ حوالي عامين حول إدانة النظام العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة لم يعد موضوعاً للنقاش، بل بالعكس فإن محتوى هذه التقارير تم الاعتراف به من قبل القادة الإسرائيليين أنفسهم. وبناءً على ذلك، إسرائيل لم تعد قادرة على الدفاع عن نفسها أمام التهم الدولية بأنها دولة أبارتايد، والحقيقة المفقودة هي ضرورة توفر الإرادة الدولية لإدانة هذا النظام العنصري وفرض عقوبات عليه تماماً كما حدث في أوائل التسعينات مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا
وفي الوقت الحالي، ظهرت حركة تربط بين الأحداث التي تحدث في الكيان والمساعي لتغيير قوانين النظام القانوني فيه، ويهدف ذلك إلى تحقيق رؤية يمينية تهاجم أسس المحكمة العليا، مما يشكل تهديداً للنظام القضائي وللتطورات الاحتلالية التي تحدث في الضفة الغربية والقدس. فهي تربط بين المستجدات في إسرائيل وأعمالها في أرض فلسطين المحتلة، وهذا يعود إلى تأثير القوى الاستيطانية الإرهابية التي تتمثل في تحالف وزير المالية والجيش السيد سموتريتش ووزير الأمن الداخلي السيد ن غفير
في سبتمبر 2023، عاد رئيس الموساد السابق باردو لإصدار إحدى التصريحات التي قد تكون أحد أهم أدلة “المطاردة السياسية الساخنة” لدولة الاحتلال في المحاكم الدولية أولاً، وفي تحصيرهم عربياً، وإن لم يكن رسمياً فإنه شعبي بشكل رئيسي، حيث أكد حدوث تطبيق دول الاحتلال لنظام “الفصل العنصري” في الضفة الغربية وكيفية تعاملها مع سكان الأراضي الأصلية والمستوطنين، الذي يعتبر أداة إرهابية لفرض مشروع الضم والتهويد
تلقت التصريحات الباردة، والتي لم تتلقى أي استجابة رسمية من السلطة الفلسطينية إلا بيانًا من وزارة الخارجية، استجابة في وسائل الاعلام الإسرائيلية. قامت صحيفة “جيروزاليم بوست”، التي تصدر باللغة الإنجليزية، بنشر مقال تحليلي حول هذه التصريحات في 10 سبتمبر، تحت عنوان “تجاوز تامر باردو الخط الأحمر”، وهو مقال يعبر عن أهمية التصريحات سياسيًا وقانونيًا، وتحذر من المخاطر التي قد تواجهها الدولة الاحتلالية، وذكرت أن تامر باردو انضم إلى قائمة بعض “قادة الأمن الإسرائيليين السابقين الذين تجاوزوا الخطوط في رغبتهم في إسقاط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية”
وتضيف رافضة أقوال باردو أنه من السهل أن يتخيل الضجة الدولية التي ستحدث إذا فرضت إسرائيل القانون الإسرائيلي على الفلسطينيين بشكل واحد. وتؤكد أنه سيتم استخدامها بالتأكيد لمهاجمة إسرائيل بشكل شامل على المنابر الدولية. وتضيف أن المنصب الرفيع له يزيد من مصداقية كلماته. ولسوء الحظ، تعليقاته في الواقع غير لائقة
في وقت لاحق، قام الصحفي جدعون ليفي بنشر مقاله في صحيفة “هآرتس” العبرية في العاشر من سبتمبر ٢٠٢٣، حيث أشار إلى أن جنود الجيش الإسرائيلي قد أصبحوا مجرمي حرب وأنهم ليس لديهم من يحميهم
يتعين الربط بين المخاوف المتعلقة بـ “تطورات الوضع السياسي – القانوني” التي يدفعها أطراف الفاشية الحاكمة والواقع في الضفة الغربية، واعتبار ما يحدث فيها عملًا عنصريًا، وأن جيشهم وفرقهم المتنوعة يرتكبون جرائم حرب، فهذا يعتبر التطور الأهم منذ سنوات، على الرغم من ضعف الحالة السياسية الفلسطينية والعربية. تحاول دولة الكيان، عبر القاطرة الأمريكية، تسويقها وفرض وقائع التطبيع، في الوقت الذي تعاني فيه من أخطر أزمة تمر بها منذ قيامها بالاستيلاء، حيث طالبت غالبية يهودية بعدم استقبال نتنياهو في البيت الأبيض
يجب التعامل مع الأزمة الإسرائيلية الكبيرة وربطها بالاحتلال المستمر وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب من قِبل السلطة الفلسطينية كقوة ممثلة، مما يسهم في زيادة العمل لفرض الحصار السياسي والقانوني على دولة إسرائيل. يجب تشكيل “فريق عمل مختص” لمتابعة الأمور بتفصيل يومي وتحويل الموقف من تأثيره الإسرائيلي إلى أثر فاعل، مما يتطلب فقط قرارًا وقدرة وإرادة
تقدم قوى “التحالف الحكومي الفاشي” فرصة تاريخية سياسية، وبالأخص فريقها الاستيطاني ورئيسها المرتعش هلع بمصير ظلامي. أصبحت ضرورة وطنية هامة الاستثمار في هذه الفرصةتم إصدار بيان غريب ومفاجئ من قبل مجموعة من الشخصيات الفلسطينية، وهم أكاديميون وخبراء ومحللون، الذين أغلبهم من أمريكا وبريطانيا، حيث قاموا بانتقاد خطاب الرئيس حول اليهود الاشكيناز وألمانيا. البيان كشف أن الجهل بالتاريخ ليس محصورًا فقط في أولئك الذين لا يقرؤونه، بل يظهر أن الفهم ضرب بعرض الحائط من البداية. اعتذر أنتم المدعون للمعرفة وإشمئزوا من شعبكم
تنبيه خاص: يرفض الحكومة المغربية، كما تم تناقله في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أي مساعدة من الدول الإرهابية. هذه خطوة إيجابية ونأمل أن يكمل الجانب السياسي هذا العمل الجميل مع الشعب الفلسطيني وأن يعلن تعليق المسار العادي حتى… هذا سيزيد من جاذبية القرار إذا كان صحيحاً من البداية.

زر الذهاب إلى الأعلى