خطة ترامب في مهبّ الريح

الكاتب: هاني عوكل
لماذا يصر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على تهجير الفلسطينيين من غزة واستثمارها وتحويلها إلى ما سمّاه «ريفييرا» الشرق الأوسط؟ وما الذي يدفعه لتكرار هذه الدعوة والضغط على المصريين والأردنيين لاستقبال الفلسطينيين والتلويح بسياسة «العصا لمن عصى»؟!
في البداية لا بد من التأكيد على أن تصريحات ترامب الصادمة بشأن قطاع غزة، أشغلت العالم كله وجعلته في حيرة من أمره، إلى درجة أن هذه التصريحات طغت على كل الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة خلال أكثر من خمسة عشر شهراً المنصرمة.
تصريحات الرئيس الأميركي هذه لم تأت من فراغ ولا هي وليدة الصدفة أو اللحظة، وإنما مرتبطة بقناعة راسخة أن هناك مصالح إستراتيجية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي تحمي مصالح الأولى في منطقة الشرق الأوسط.
ترامب نفسه يدرك استحالة تطبيق مفاهيمه حول غزة، غير أنه اختار اللحظة المناسبة التي زاره فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بواشنطن، واخترع هذه التصريحات حتى يضلل ويشتت الرأي العام ويجعله يتجاهل فكرة محاسبة نتنياهو وإسرائيل على قساوة عدوانها ضد القطاع.
الآن كل الحديث متركّز حول جدوى معتقدات ترامب بشأن غزة، وكيفية العمل على رفض هذه الأفكار المتطرفة، في حين هناك أكثر من 60 ألف شهيد ومفقود في غزة ودمار شامل ونكبة حقيقية، والعالم يتجاهل بوعي أو دون وعي ما حصل هناك لأن ترامب ألقى قنبلة إعلامية أربكت حسابات العالم.
أما بالنسبة لمواجهة مخططات ترامب، فإن الوضع العربي على ضعفه لن يسكت عنها، ومصر والأردن بالذات ستعملان على إفشالها، لأن الثانية ترفض استيعاب فلسطينيين لما يعنيه من تهديد للبلاد وخدمة لمشروع «الوطن البديل» الصهيوني.
أما مصر فهي تنظر لمخطط تهجير فلسطينيين إلى أراضيها على أنه إخلال بأمنها القومي الإستراتيجي، ولها الحق في رفض خطط ترامب، والأهم من كل ذلك أن الفلسطينيين لم يشتكوا أحداً من الدول حتى يطلبوا مغادرة وطنهم.
تصريحات ترامب وإن تحمل أبعاداً ظلامية، ففي الجهة الأخرى هي مفيدة بالنسبة للفلسطينيين، لأنها ستجعلهم أكثر توحداً في مواجهة كل ما يحاك من مؤامرات بحقهم، وثانياً تضع هذه التصريحات النظام العربي في حالة اختبار حقيقي، وبدا واضحاً أن هناك موقفاً عربياً يتبلور في مواجهتها.
حالياً تعتزم جمهورية مصر العربية طرح خطة مدعومة عربياً لإعمار قطاع غزة تبقي الفلسطينيين في بلدهم، وتقدم حلاً بديلاً لحل ترامب التهجيري، على أن تتضمن بنود الخطة إقامة مساكن مؤقتة في مناطق محايدة جغرافياً، والشروع في رفع الركام والردم وبناء بنى تحتية تمهيداً لإقامة المنازل.
الخطة المطروحة تقدم تصوراً لطبيعة إعمار قطاع غزة، لكنها لا تتحدث عن مستقبل الحكم فيه، وهو النقاش الذي ترفعه إسرائيل عالياً بشأن ضرورة انسحاب حركة «حماس» من كل تفاصيل المشهدين السياسي والعسكري، وهو نفس النقاش الذي يريده الرئيس الأميركي.
في كل الأحوال ثمة تفاصيل كثيرة في المرحلتين الثانية والثالثة بشأن تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، والشيطان كالعادة يكمن في التفاصيل، ذلك أن نتنياهو بالتأكيد يرغب في مغادرة «حماس» قطاع غزة، حتى يقول للجمهور الإسرائيلي: إنه حقق واحداً من أهم أهداف الحرب.
الآن رهان نتنياهو وزمرته من الوزراء المحسوبين على اليمين المتطرف، هو كيف سيكون شكل قطاع غزة بعد الحرب، بمعنى أنهم يريدون منطقة عازلة مسيجة ومحروسة ومراقبة كل الوقت، وفي نفس الوقت يرغبون في وجود حكم ذاتي فلسطيني يلبي احتياجاتهم السياسية والأمنية.
حالياً الشغل الشاغل لإسرائيل هو الحصول على جميع أسراها دون تقديم تنازلات مؤلمة للفلسطينيين، وترامب يضغط معها في هذا الاتجاه، ولا يعني الحديث عن مرحلتين ثانية وثالثة أن العدوان الإسرائيلي انتهى والحياة أصبحت «وردية».
عودة إلى ترامب، يمكن القول: إن وجوده في السلطة فيه فائدة لإسرائيل والفلسطينيين في ذات الوقت. فيه فائدة لإسرائيل بالدعم السخي الذي يقدمه لها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وفيه فائدة للفلسطينيين من سياسات ترامب الاستعلائية والفوقية مع الحلفاء وغير الحلفاء وفي مقدمتهم الفلسطينيون والعرب.
عندما يصر ترامب على تصريحاته بشأن تهجير الفلسطينيين، يجتمع العرب على قلب رجل واحد، وتترسخ قناعة لدى الفلسطينيين أن لا ترامب ولا غيره يمكنه مصادرة حقوقهم المشروعة. النتيجة أن كره الرئيس الأميركي لفكرة بقاء الفلسطينيين في أرضهم سيدفعهم للالتفاف حول بعضهم البعض والتمسك بجذورهم وهويتهم.