خطاب عبد القادر الحسيني في القسطل يثير الجدل بعد ٧٦ عاما
غزة – المواطن
أشار “أبو عبيدة”- الناطق باسم كتائب عز الدين القسام- في كلمته إلى معركة القسطل، بينما يحيي روح شهيدها “عبد القادر الحسيني”، فقال: “لقد سئمت شعوب أمتنا التضامن اللفظي الخجول والعجز الرسمي المقيت، وقد حقق مقاتلوا أمتنا مفهوم النصرة والوحدة العربية كما لم يحدث من قبل. فما أسعد روح شهيدنا (عبد القادر الحسيني) بكم يا أبطال أمتنا، وما أشد خيبة أمله من زعماء ناشدهم منذ 76 عاما، وما زال صدى صوته لا يحرك فيهم ساكنا، بل إن عجزهم بات أكبر، وتقاعسهم وخذلانهم أصبح أشد وأقسى”.
والحسيني (1908-1948)، هو مناضل وقائد عسكري من القدس، واجع الانتداب البريطاني في شبابه، وفجر الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936، بحشد رجال المقاومة في كل الأراضي لمقاومة الاحتلال، و استشهد في الثامن من أبريل 1948 خلال معركة تحرير “القسطل”.
خطبة الحسيني حول القسطل:
وقد أثارت كلمة “أبو عبيدة” جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، حول خطبة “عبد القادر الحسيني” عن الخذلان العربي له، ورسالته للجامعة العربية التي اتهمها فيها بالتخلي عنه ورجاله خلال معركة القسطل.
فتداولت بعض الحسابات جزء من خطبة “الحسيني” عام 1948، التي جاء نصها: “جئتكم أطلب سلاحًا لأدافع به عن فلسطين، أما وقد خذلت، فأبلغكم أننا لن نرمي السلاح حتى النصر أو الشهادة، أنا ذاهب إلى القسطل ولن أسأل أحد منكم أن يرافقني، لأنني أعرف حقيقة مواقفكم، لكني أحذركم بأن التاريخ سيكتب أنكم خذلتم الأمة وبعتم فلسطين، وأن التاريخ لا يرحم أحدا”
وكتبت صفحات أخرى جزء أخر من الخطبة كان نصه: “أيها العرب نحن أحق بالسلاح المُخَزَّن من المزابل، إن التاريخ سيتهمكم بإضاعة فلسطين، وإنني سأموت في القسطل قبل أن أرى تقصيركم وتواطؤكم”.
فيما تداولت صفحات أخرى نص الخطاب الذي بعث به “الحسيني” للجامعة العربية، وكان نصه: “إنني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم دون عون أو سلاح”.
فما هي تلك المعركة التي عانى قائدها كل ذلك الخذلان في أوج الانتصار؟
القسطل
هي أول بلد بالقدس يسقط في يد الصهاينة، ولها موقع إستراتيجي غرب القدس على تلة مرتفعة، سمّاها الفرنسيون في زمن الاحتلال الصليبي “بالقلعة” لحصانتها ومناعتها، حيث قيل أن اسم القسطل جاء من المسمى اللاتيني “The castle” أي الحصن، وكانت تشرفُ على القرى القريبة منها وعلى الطريق الرئيسية بين القدس ويافا.
ووقت احتلالها كان الحسيني في دمشق، حيث سافر في نهاية مارس 1948، لطلب الإمداد بالأسلحة والذخيرة من الجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية والمشرفة على القتال في فلسطين، لكن المفاوضات تعثّرت فطالت مدة بقاءه خارج فلسطين حتى وصلت 12 يوما، طامحًا لإقناع رجال الهيئة العربية العليا واللجنة العسكرية لدعم فلسطين لإمداده بالعتاد والسلاح، وكان لديه نقص شديد في المدافع الرشاشة وبعض القنابل وغيرها، حتى سقطت القسطل، فجاءه الخبر مع زعماء اللجنة العسكرية ما زاد غصبه ونقمته، خاصة مع استمرار رفضهم إمداده بالسلاح.
وكان أبرز الرافضين لإمداد الحسيني بالسلاح القائد العراقي “إسماعيل صفوت” باشا، الذي كان يتولى قيادة قيادة اللجنة، وقد قال عنه الكاتب الكبير “محمد حسنين هيكل” في كتابه “العروش والجيوش”: “كانت تحت القيادة العليا التي يتولاها الملك عبد الله الأول ملك الأردن قيادة عامة للجيوش العربية أُسندت إلى اللواء العراقي إسماعيل صفوت باشا، وضعت هذه القيادة خططا طموحة على الورق؛ لكن الذين وضعوها كان يعرفون مسبقا أنها مستحيلة التحقيق، فالقائد العام صفوت باشا لن تكون له في حقيقة الأمر أي سلطة على بقية الجيوش العربي، حيث كان إسماعيل صفوت باشا ضابطا لم يعش تجربة ميادين القتال، وقد ترقى لرتبته الرفيعة -كما هو الحال في معظم الجيوش العربية وقتها بحكم الأقدمية- وبتقدير أنه ضابط مأمون لا يتجاوز تفكيره حدود خرائطه”.
وحينما وقعت القسطل، وجه “صفوت” كلماته الخاوية “للحسيني” فقال: “ها قد سقطت القسطل، عليك أن تسترجعها يا عبد القادر، وإذا كنتَ عاجزا عن استرجاعها فقل لنا لنعهد بهذه المهمة إلى القاوقجي”، و”فوزي القاوقجي” هو قائد جيش الإنقاذ العربي الذي عيّنته جامعة الدول العربية واللجنة العسكرية بعد قرار التقسيم في أواخر 1947.
وردًا على تلك الإهانة، أوضح “الحسيني” حصانة القسطل وأنه لا يمكن استرجاعها بالبنادق الإيطالية والذخائر القليلة عديمة النفع، و قال له:
ها قد سقطت القسطل، عليك أن تسترجعها يا عبد القادر، وإذا كنتَ عاجزا عن استرجاعها فقل لنا لنعهد بهذه المهمة إلى القاوقجي”، و”فوزي القاوقجي” هو قائد جيش الإنقاذ العربي الذي عيّنته جامعة الدول العربية واللجنة العسكرية بعد قرار التقسيم في أواخر 1947.
وردًا على تلك الإهانة، أوضح “الحسيني” حصانة القسطل وأنه لا يمكن استرجاعها بالبنادق الإيطالية والذخائر القليلة عديمة النفع، و قال له: “أعطني السلاح الذي طلبته منك وأنا أستردّها، ولقد كانت خطتي إلى الآن أن أحاصر القدس والمستعمرات اليهودية وباب الواد، وأن أمنع وصول النجدات والمؤن إلى اليهود، ونجحت هذه الخطة… أما الآن فقد تطورت الحال، وأصبح لدى اليهود مدافع وطائرات ورجال، وليس باستطاعتي أن أحتل القسطل إلا بالمدافع، أعطني ما طلبت وأنا كفيل بالنصر”.
لكن “صفوت” رفض الاستجابة لطلبه مرة أخرى، و زاد “أحمد الشرباتي”- وزير الدفاع السوري أنذاك على ذلك الرفض، بأن هون من قدرة الحسيني ورجاله، كما استهان بالقوة الصهيونية، قائلا: “إذا احتل اليهود القدس فسنأتي ونخرجهم منها أو نقتلهم فيها”.
فما كان من “الحسيني” إلا أن اتهمهما بالخيانة والتقاعس والتسبب في ضياع فلسطين كلها، و في 7 أبريل 1948 استأنف القتال بعتاد وسلاح قليل وضعيف مع رجاله الذين لم يتجاوز عددهم 300 مقاتل، لكن ذخيرة المجموعة- المعنية بضرب الاستحكامات الصهيونية في مقدمة المدينة، والقضاء على المتاريس التي فيها بالقنابل والمتفجرات- نفدت بعد أن أوشكوا على إنجاز مهمتهم، فتحرك الحسيني في مجموعة صغيرة من ثلاثة أو أربعة أشخاص للوقوف على الخبر، وأيضا لدعمهم بمزيد من المتفجرات، لكن اليهود اكتشفوهم فأطلقوا عليه النيران بعد نفاد ذخيرتهم.
فانتشر الخبر في القدس والقرى المجاورة لها- فجر يوم 8 أبريل 1948- بإصابة “الحسيني” إصابة بالغة في المعركة، ما دفع أهالي تلك البلاد للتحرك لنجدته، ليتمكنوا من استعادتها في عصر اليوم نفسه، وعقب انتهاء المعركة اكتشفوا استشهاده، بعد أن نجح مع رجاله في تحرير القسطل بأسلحتهم البدائية، وقتلوا أكثر من 150 صهيونيًا،
وقد صلى عليه عشرة آلاف شخص في المسجد الأقصى يوم الجمعة 9 إبريل، ودفن في مقابر عائلته في القدس.
أما القسطل، فقد استغلت العصابات الصهيونية والبريطانية انشغال المقاومين بوفاة “الحسيني” وتشييعه وعاودوا الهجوم على القسطل، وقضوا على الأعداد القليلة المتبقية فيها من المقاومين، وأعادوا احتلالها عشية 9 إبريل، بما يقول عنه المؤرخون أنه اليوم الحقيقي للنكبة وضياع فلسطين، حيث كانت تلك المعركة حجر الزاوية في نجاح العصابات الصهيونية في إيقاع الهزيمة بالعرب واحتلال فلسطين.