ترامب الأهوج: مستقبل المنطقة على برميل بارود
![ترامب الأهوج: مستقبل المنطقة على برميل بارود](https://i0.wp.com/www.almwatin.com/wp-content/uploads/2025/02/F130708DV206.jpg?resize=780%2C470&ssl=1)
المواطن – غزة
الكاتب: أشرف العجرمي
لم يمر تاريخ علاقة الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط بما يشبه سياسة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب. فرغم حصول تدخلات أميركية وتورط سابق في حروب واجتياحات، إلا أنه لم يحصل ما يقوم به الرئيس ترامب باتخاذ مواقف تخرج بشكل تام عن الموقف الأميركي التقليدي من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ويكون بهذه الصورة الهمجية والفظة تعدى نطاق أي بروتوكول أو علاقات بين الدول. ففي ولايته الأولى، التي انتهت قبل أربع سنوات، قام بطرح مشروع «صفقة القرن» التي يسمح بموجبها لإسرائيل بضم 30% من مساحة الضفة الغربية. وقام بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وأوقف الدعم المقدم للسلطة الفلسطينية، وأغلق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
وفي ولايته الجديدة، ذهب ترامب إلى ما لا يعقل وأصبح كالثور الهائج يضرب يميناً ويساراً. وخرج عن حدود الدبلوماسية، ليس فقط باعتماد مواقف متطرفة فاقت حتى مواقف اليمين الفاشي والعنصري في إسرائيل تجاه حل مشكلة الحرب في غزة، بل كذلك بالتهديد بالاحتلال وتنفيذ خططه بقوة الضغط وفرض عقوبات قد تغير معادلات العلاقة الدولية في المنطقة، وتضعها على برميل بارود قد يشتعل في أي لحظة. فلأول مرة تسعى واشنطن لتدمير حل الدولتين بالسماح لإسرائيل بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة، وتهجير كل سكان قطاع غزة، والسيطرة عليه وامتلاكه، ومنع الفلسطينيين من العودة إليه. وخطة ترامب التي يصر على تنفيذها تتضمن نقل سكان غزة إلى كل من مصر والأردن، وتهديد الدولتين السياديتين بأنهما إذا لم تقبلا اللاجئين الفلسطينيين، فإنه قد يلجأ لوقف المساعدات عنهما.
وعندما أعلنت «حماس» أنها ستؤجل الإفراج عن الدفعة السادسة من المحتجزين الإسرائيليين؛ بسبب خرق إسرائيل للاتفاق بتأخير انتقال المواطنين من جنوب قطاع غزة إلى شماله، وإطلاق النار على المواطنين في أكثر من حالة، ما تسبب في مقتل وإصابة عدد منهم، وعدم الالتزام بالبروتوكول الإنساني، خاصة إدخال بعض أصناف المساعدات الإنسانية، وعدم إدخال البيوت المتنقلة والخيام والتجهيزات الأخرى، قام ترامب باتخاذ موقف تجاوز بكثير مواقف الحكومة الإسرائيلية التي اعتبرت ما أعلنت عنه «حماس» انتهاكاً لوقف إطلاق النار، وأعلنت الاستعداد لكل السيناريوهات، فقد حذر «حماس» بأنها إذا لم تطلق سراح جميع «الرهائن» بحلول الساعة الـ12 ظهر السبت المقبل، فإنه سيلغي وقف النار ويتوعد الحركة بـ»جحيم حقيقي».
«حماس» باتت تدرك أن حكومة بنيامين نتنياهو تنوي العودة للحرب لأسباب تتعلق بالسعي للحفاظ على بقاء الحكومة من جهة، وبالدعم الذي يحظى به نتنياهو من الرئيس ترامب من الجهة الأخرى. فالأخير صرح بأنه ليس واثقاً من إكمال الصفقة حتى النهاية، ويكرر ليل نهار أنه لا يريد «حماس» في غزة، أي أنه يتفق مع نتنياهو على فكرة القضاء على «حماس»، بعبارة أخرى استمرار الحرب إلى أجل طويل. وبالتالي من الطبيعي أن تحاول «حماس» اللعب بورقة المحتجزين في غزة باعتبارها آخر ورقة لديها. فلماذا تتنازل عن هذه الورقة في وقت تتوعدها إسرائيل وأميركا بالفناء وعدم وقف الحرب وإنهاء الاحتلال لغزة وإعادة إعمارها؟
مشكلة ترامب أنه يتعامل مع القضية الفلسطينية، التي هي من أعقد قضايا الصراع في الكون، كصفقة تجارية بسيطة. فهو يريد تولي غزة وامتلاكها بالكامل وتهجير سكانها إلى غير رجعة، وإجبار مصر والأردن على التضحية بأمنهما واستقرارهما لتنفيذ هذه الصفقة الغبية. وهو على ما يبدو لا يفهم أن هناك حدوداً للضغط وحتى لقدرة ونفوذ الولايات المتحدة. ولن يجد دولة عربية يمكنها أن توافق على تهجير واستيعاب اللاجئين الفلسطينيين لديها مهما مارس من ضغوط. وقد يؤدي الضغط الأميركي على هذه الدول إلى حصول تحولات في المواقف لديها بخصوص التحالف مع الولايات المتحدة.
والشيء الأهم الذي لا يستوعبه عقل ترامب التجاري هو كيف يفكر الفلسطينيون بقضيتهم ومشروعهم الوطني. فهم لن يتنازلوا عن أي جزء من وطنهم. وقد دفعوا أثماناً باهظة لتمسكهم بالوطن ولن يغادروه هكذا من أجل مطامع ترامب. بل إن الأخير فتح عيون الفلسطينيين على أهمية بلادهم وموقعها في صراع الأمم للسيطرة على المواقع الإستراتيجية المهمة سياسياً واقتصادياً. وحتى لو غادر الوطن قسم منهم بسبب ضيق المعيشة، فهذا لا يعني إفراغ البلاد وتسهيل السيطرة عليها من قبل أي جهة كانت. فالغزيون لا يرون أجمل أو أهم من غزة للعيش فيها، رغم كل المآسي التي مروا فيها بسبب عقم سياسة بعض الأطراف الفلسطينية وهمجية وبربرية العدوان الإسرائيلي. فكيف سيتنازلون عن قطاع غزة الذي يشكل مستقبل الوطن بخيراته المدفونة وموقعه الإستراتيجي الفريد. فما يعرفه ترامب يدركه الفلسطينيون جيداً، وكل ما يمكن لترامب أن يفعله هو تأجيج الصراع في المنطقة ودفعها نحو مزيد من العنف والتوتر وعدم الاستقرار. ومصير خططه ومشاريعه الغبية هو الفشل، وكما فشلت «صفقة القرن» سيخفق مشروع التهجير. وسيذكر التاريخ أن رئيساً أميركياً فاشلاً وأهوج مر على قضية صامدة منذ ما يزيد على قرن من الزمن ولم يتزحزح حاملوها أبداً.