علوم وتكنولوجيامنوعات

الملياردير الأميركي إيلون ماسك أقوى رجال الأرض في الفضاء … كيف ذلك ؟

كان ما سبق هو جزء من رسالة (1) تلقاها موظفو شركة “سبيس إكس” الأميركية عشية فشل غاية في القسوة، في الثالث من أغسطس/آب 2008 كان الإطلاق الثالث للصاروخ “فالكون 1″، بعد فشل إطلاقين آخرين في العامين السابقين، لكن فريق العمل كان قد عوّل على هذا الإطلاق الأخير بعد إضافة محرك جديد قوي وإصلاح الأخطاء في الإطلاق الفائت. وضعت “سبيس إكس” أربعة أقمار صناعية صغيرة أعلى هذا الصاروخ، خاصة بوكالة الفضاء والطيران ووزارة الدفاع الأميركيتين وشركة خاصة أخرى، وانتظرت أن يصل بالفعل إلى المدار الأرضي المنخفض لتوصيل الحمولة.

ليس كأي فشل
لكن ذلك لم يحدث، في أثناء الانفصال عن الصاروخ(2) ارتدت المرحلة الأولى -بسبب قوة المحرك الجديد- لتصطدم به مرة أخرى واشتعل وقود المرحلة الثانية بينما ما زالت الأولى قريبة منها ما تسبّب في تحطُّمه بعد فترة قصيرة وفشل المهمة، في تلك الفترة كانت قد مرت ست سنوات منذ إنشاء الشركة وبدأ التمويل في النفاد، لم تتبقَّ إلا محاولة واحدة إضافية وتُعلن الشركة إفلاسها، خاصة أن شركة كيستلر، والتي نالت القدر نفسه من التمويل تقريبا، قد أعلنت إفلاسها أيضا قبل أشهر، ورأى الجميع أن دخول الشركات الخاصة مضمار الصواريخ الفضائية هو كارثة اقتصادية وتكنولوجية على حدٍّ سواء.

ربما كانت تلك هي أسوأ لحظات عاشتها شركة “سبيس إكس” (SpaceX)، وبالتبعية إيلون ماسك، لكنه قرّر أن يستكمل الطريق لنهايته وليحدث ما يمكن أن يحدث، وأرسل إلى موظفيه هذا الخطاب الحماسي كي يدفعهم للاستمرار في العمل بالحماسة نفسها، لكن التوقعات بالنجاح كانت ضعيفة، لذلك فإن ما حدث حقا بين هذا الفشل الشديد في تلك الليلة من العام 2008 وما تُنجزه شركة “سبيس إكس” بينما نتحدث الآن في العام 2020 يستحق التأمل لا شك.

تمكّنت “سبيس إكس” بالأمس(3)، في الحادي والثلاثين من مايو/أيار، عبر صاروخها “فالكون 9” من إرسال رائدي الفضاء من وكالة ناسا “دوج هارلي” و”بوب بينكن” إلى المحطة الفضائية الدولية بأمان تام، وبذلك أصبحت “سبيس إكس” أول شركة خاصة في التاريخ تحمل روّادا للفضاء، ومع نجاحات في الأعوام القليلة السابقة نقلت الشركة خلالها حمولات متفرقة إلى محطة الفضاء الدولية وأقمارا صناعية خاصة بحكومات وشركات متعددة، أعلنت “سبيس إكس” بداية صناعة جديدة يمكن للشركات الخاصة أن تدخل لتُنافس فيها. لكن كيف استطاع إيلون ماسك أن يصل بشركته إلى هذا النجاح بعد أن قاربت على الإفلاس؟

صواريخ وفودكا روسية
حسنا، هناك الكثير من الإرادة والطموح والجهد والإصرار وكل تلك الألفاظ البراقة بالطبع، لكن بشكل عملي فإن أول شيء ساعد ماسك كان قناعة بناها في أثناء تطويره لشركته “تسلا”، وهي أنه لجذب انتباه المستثمر يجب أن تخفّض السعر بحيث يصبح الأمر مفاجئا للجميع في السوق، ولتطبيق هذا التوجه يجب أن تعتمد على فكرة أساسية للغاية في عالم الاقتصاد تقول ببساطة: “اصنعها بنفسك”.

لكي تبني وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) صاروخا فإن الأمر لا يتطلّب أن تقوم بصنع كل أجزائه، بل فقط تقوم باستيراد مجموعة كبيرة منها من شركات أخرى عبر مجموعة من الوكلاء، إذا تأملت تكلفة كل الوكلاء، والشركات المصنعة وموظفيها، في رحلة جهاز إرسال واستقبال بسيط إلى أحد صواريخ فالكون على سبيل المثال، فإن الأمر قد يجمع تكلفة مقدارها 100 ألف دولار، بينما تصنعه “سبيس إكس” بتكلفة نحو 5000 دولار فقط، إنه تخفيض هائل في النفقات، خاصة أن الشركة تصنع 85% من مكونات صواريخها من الصفر.

في الواقع، فإن منبع تلك الفكرة -بالنسبة لـ “سبيس إكس” تحديدا- كان إحباطا سابقا حينما كان ماسك(4) في باريس يحاول شراء بعض الصواريخ من وكالة الفضاء الأوروبية، والتي عرضتها بسعر مرتفع جدا مقارنة بما يملك من مال وقتها، هناك سمع أن الروس يعرضون ثلاثة صواريخ باليستية عابرة للقارات على طاولة البيع، فودّ لو حصل عليها بمبلغ 21 مليون دولار، لكنهم سخروا منه. في تلك النقطة سأل ماسك نفسه، وفريق عمله: ماذا لو قرّرنا أن نزن مادة الصاروخ ونثمّنها؟ كل الحديد والنحاس والبلاستيك والنيكل وغيرها من المواد، هنا اكتشف أن فارق السعر، دون وكلاء، كان 97% من ثمن الصاروخ الواحد، وبذلك بدأت الخطة الجديدة.

ميدان – إيلون ماسك
إيلون ماسك
لكن تلك الفكرة ليست بالسهولة الظاهرة، يحتاج الأمر إلى الكثير من الخبرة من أجل بناء صاروخ بقوة “فالكون 9″، الصاروخ الذي تعاقد ماسك مع وكالة ناسا على بنائه قبل نحو 15 سنة لأجل أداء مهام تتعلّق بالنقل إلى محطة الفضاء الدولية وحصل على مبلغ نحو 300 مليون دولار، هنا عمل ماسك على خطتين أساسيتين لتطوير قدرات مهندسيه وفريق عمله كاملا.

 

 

الأولى تتعلق بمَوضعة أماكن العمل، عادة ما تميل الشركات التقنية الثقيلة حاليا إلى بناء مصانعها في قارتَيْ آسيا وأفريقيا لوجود عمالة رخيصة هناك، لكن مصانع “تسلا” و”سبيس إكس” موجودة في الولايات المتحدة الأميركية(5)، ليس لذلك بُعد وطني -وإن كان يستخدم لأغراض تسويقية- وإنما عمل ماسك على تطوير خبرة مهندسيه وعمّاله عبر وضعهم معا في المكان نفسه، حيث عادة ما تكون مكاتب الشركة في مناطق متفرقة من الدولة منفصلة عن المصانع، لكن بالنسبة لـ “تسلا” و”سبيس إكس” كان الجميع قريبا من بعضه، إصلاح الأخطاء وعمليات التطوير كانت تتم بشكل متزامن مع التصنيع.

ليس ذلك فقط، بل وكان ماسك، منذ البداية، يتبع سياسة يدمج بها عمليات التطوير مع الإطلاق السريع لدعم خبرات فريقه الحديث نسبيا، وهو في تلك النقطة يختلف مع الملياردير الآخر الذي دخل إلى نطاق الفضاء، “جيف بيزوس” عن طريق شركة بلو أوريجينز، والتي يبدو للوهلة الأولى أنها تعمل ببطء شديد، لكن الفكرة أن بيزوس يعمل بطريقة “أن تتحرك ببطء أسرع من أن تتحرك بسرعة”، فهو يبني تحالفات قوية على نطاقات اقتصادية وسياسية، ويعطي الجزء النظري وقتا أطول لتكوين قاعدة أساسية ثقيلة للعمل.

Jeff Bezos, president and CEO of Amazon and owner of The Washington Post, speaks at the Economic Club of Washington DC’s
جيف بيزوس
أما الخطة الثانية فهي أن إيلون ماسك، في النهاية، ليس ملاكا(6)، من المعروف أنه رائد أعمال صلب، يضغط بقوة على موظفيه لإتمام العمل في أسرع وقت ممكن، ولا يتقبّل أي تنازل عن معايير استثنائية في بيئة العمل، ويبدأ ذلك من أعلى مهندس إلى أصغر عامل، سترى على منصات التواصل الاجتماعي قواعد تسويقية شهيرة تقول إن إيلون ماسك لا يؤمن بالاجتماعات وأنه يهتم بالإنتاج على حساب عدد ساعات العمل فتشعر بالسعادة، لكنك ستسمع في الأخبار -من حين إلى آخر- عن عمال أتمّوا أكثر من 100 ساعة عمل أسبوعيا دون عطلات ما تسبّب في مرضهم، ماسك نفسه كثيرا ما يتحدث عن 80 ساعة عمل أسبوعيا كشيء طبيعي.

اجعلها أرخص
في تلك النقطة التي تقف بين الإنجاز العلمي وريادة الأعمال يوجد إيلون ماسك، فهو ليس عالِما ولا حتى مهندسا بالمعنى المفهوم، لكنه أشبه ما يكون بـ “هنري فورد”، حيث لم تكن وظيفة الأخير خلق تكنولوجيا جديدة للسيارات من الصفر، بل العمل على إعادة النظر إلى ما هو موجود بالفعل: كيف يمكن أن نعدله بحيث يصبح أرخص؟ كيف يمكن أن نجعل من الصواريخ نشاطا تجاريا مثلما حوّل هنري فورد السيارات إلى نشاط تجاري فوصلنا إلى مرحلة يحوي العالم خلالها 1 مليار سيارة تقريبا؟

هذه الفلسفة البسيطة (اجعلها أرخص) هي السبب في كل إنتاج “سبيس إكس” المتفرد بالتبعية، السبب كذلك في أن إيلون ماسك -في مرحلة ما- سأل نفسه ببساطة قائلا: إذا كنا قادرين على تخفيض سعر الصاروخ بشكل استثنائي بعد أن صنعنا أجزاءه، هل يمكن أن نُخفِّض السعر بصورة أكبر بحيث يصبح فقط سعرا يسيرا جدا مقارنة بما ندفعه الآن؟

سبيس اكس فالكون 9

سوف يحدث ذلك فقط إذا تمكّنت “سبيس إكس” من إعادة استخدام صواريخها، تخيّل على سبيل المثال أن الطائرات تُستخدم لرحلة واحدة فقط ثم بعد ذلك تتلف، كم سيكون سعر التذكرة؟ الأمر كذلك بالنسبة للصواريخ، في الواقع فإن أرخص شيء في الصاروخ هو وقوده، لو استطعنا إعادة الصاروخ للأرض فسوف تتكلّف الرحلة الخاصة ب “فالكون 9” إلى المحطة الفضائية الدولية -على سبيل المثال- نحو 100 ألف دولار فقط، وهو رقم صغير جدا.

في العام 2012 بدأت “سبيس إكس” اختباراتها(7) على نظام إعادة الصواريخ إلى قواعد أرضية بعد أداء مهامها بدفع المرحلة الثانية للفضاء، بدأت الاختبارات على نموذج مبسط وكان الهدف أن يعلو عن الأرض مسافة صغيرة ثم ينزل واقفا، تبدأ بمتر واحد، ثم عشرة، ثم عشرات الأمتار، ثم مئات الأمتار، ومع وصولهم إلى حد 1000 متر أعلى سطح الأرض بدأت التجارب على الصاروخ العملاق “فالكون 9″، في البداية كانت التجارب غير موفقة، لكن ذلك -في الحقيقة- هو جزء آخر من سياسة هندسية بسيطة أيضا وفعّالة للغاية: “المحاولة والخطأ”.

شيئا فشيئا، تراكمت الخبرة الهندسية في المحاولة والخطأ لتصل نِسَب نجاح الهبوط للقواعد الأرضية إلى 100%، في كل صاروخ لـ “سبيس إكس” يمكن أن تجد 6 حيل هندسية بديعة تتعاون معا بمرونة شديدة لتجعل الصاروخ أشبه ما يكون بشخص يهبط إلى الأرض.

أولها على سبيل المثال هو تطوير المحرك “ميرلين” بحيث يمكن إعادة تشغيله مرة أخرى من أجل رحلة العودة، كذلك بناء نظام تموضع عالمي دقيق (GPS) مدمج في الصاروخ للتحكم في خط سيره، وتعديل للمحرك بحيث يتمكّن من تغيير اتجاه الدفع على عكس عادة صواريخ الفضاء، ستجد فتحات جانبية في الصاروخ لتعديل موضعه إذا كان على شفا الوقوع، وزعانف جانبية تتحكم في ثبات الصاروخ أثناء الهبوط، وأجزاء هبوط مرنة للغاية يتم تشغيلها عند الاقتراب من الأرض ليقف الصاروخ ثابتا واثق الخطى يمشي ملكا.

على حِدة، فإن كلًّا من تلك الإضافات هو أمر ليس بالعسير هندسيا، لكن دمجها معا في خطة عمل واحدة طموحة ضاغطة للوقت هو سر نجاح “سبيس إكس” في إعادة 3 وحدات من الصاروخ “فالكون 9” (تصنع معا صاروخا واحدا يسمى الآن “فالكون هيفي”) إلى الأرض بعد إطلاق المهمة، كان “فالكون هيفي” هو أقوى صاروخ عامل على وجه الأرض لحظة إطلاقه في السادس من فبراير/شباط 2018، لكن اللافت للانتباه لم يكن عظمة الصاروخ نفسه، بل تكلفة المهام عليه، في المهام السابقة لوكالة ناسا كانت تكلفة إيصال كيلوغرام واحد لمدار حول الأرض(8) هي 54 ألف دولار، مع “فالكون هيفي” تنزل تلك التكلفة إلى 1300 دولار، هذا هو إنجاز إيلون ماسك الحقيقي.

إيلون ماسك إذن هو رائد أعمال ذو اهتمامات مختلفة، جمع المهندسين المهرة مع سياسة بناء آيفون وسامسونغ ليخلق عالما تنافسيا جديدا، لكنه هذه المرة حوّل صواريخ ارتفاعها أكثر من 70 مترا، هذا النوع من سياسات العمل قادر على احتضان إحدى أهم المزايا في تاريخ الهندسة، وهي العصف الذهني الشديد لابتكار أكثر الأفكار غرابة وتجريبها ثم تعديل النتائج، ثم تطوير الشركات عبر خطوات صغيرة لكنها ثابتة، إنها أمر يشبه سياسة الكايزن الشهيرة لشركة تويوتا.

التنين السحري
أضف إلى ذلك سياسة أخرى مهمة عمل ماسك على تطويرها مع “سبيس إكس” و”تيسلا” خلال تاريخهما القصير، هدفها أيضا هو تخفيض التكاليف قدر الإمكان، إلى جانب القدرة على وضع ماسك نفسه أعلى قائمة هؤلاء الذين يُشار إليهم بالبنان كلما مرّوا هنا أو هناك، وبالتالي يُعطى ثقلا سياسيا أيضا، لفهم تلك السياسة دعنا نتأمل قليلا اسم “فالكون”، إنه مقتبس(9) من اسم (Millennium Falcon)، المركبة التي صمّمها جوي جونستون لفيلم “حرب النجوم”، حتّى إن اسم “دراجون” نفسه، الذي يُطلق على الكبسولة الموجودة أعلى الصاروخ، مقتبس من عنوان(10) أغنية أميركية شهيرة وهي “Puff, the Magic Dragon”.

حملت أول كبسولة “دراجون” وصلت إلى المحطة الفضائية الدولية على متنها قرصَ جُبن ضخما، أما الصاروخ “فالكون هيفي” فقد حمل على متنه سيّارة تسلا قديمة خاصة بإيلون ماسك، أما حينما دخل رواد الفضاء من المحطة الفضائية الدولية إلى الكبسولة “دراجون” بعد أول التحام ناجح في 2010 فإنهم قالوا إن رائحتها كانت “كالسيارة الجديدة”، ورحلة الأمس حمل هارلي وبينكن معهما ديناصورا بلاستيكيا، وهو لعبة خاصة بأطفال أحدهم، في كل مرة يمكن لإيلون ماسك أن يُثير انتباه الجمهور لما يفعل، وهو يعلم جيدا أن خلق “الترند” له ثمن باهظ جدا يمكن أن نتجاوز دفعه عبر أشياء كتلك.

في الواقع، يمكن أن نرجع بتلك الفكرة إلى الخلف حتى العام 2001 قبل إنشاء “سبيس إكس”، والتي بدأت عبر “ترند” صاخب أنشأه إيلون ماسك حينما أعلن عن مشاركته(11) في مشروع طموح للذهاب إلى المريخ، سُمِّيَ “واحة المريخ”، ويقصد هنا أن تقوم وكالات فضاء أرضيه بإرسال نباتات إلى المريخ داخل غرفة مغلقة كبداية لمشروع واعد لتعمير المريخ، هذا المشروع -كما تلاحظ- أقرب ما يكون إلى الخيال الإبداعي منه إلى خطة عمل، لكنه بالنسبة لماسك لم يكن كذلك فقط، بل كان وسيلة لجذب انتباه الناس لعالم الفضاء مرة أخرى.

وصل البشر إلى القمر في الستينيات، كانت تلك هي ذروة اهتمام البشر بالرحلات الفضائية، بدأ الاهتمام بهذا النطاق ينخفض شيئا فشيئا وانخفضت معه ميزانية مشروع الفضاء الأميركي حتى وصلنا إلى العام 2011 حينما توقف(12) مشروع مكوك الفضاء تماما وأصبحت عملية إرسال رواد الفضاء والحمولات إلى المحطة الفضائية الدولية تجري عبر شركات روسية، الأمر الذي أشاح بنظر المجتمع الأميركي عن موضوع “الفضاء” تماما، في تلك النقطة يظهر رائد الأعمال الذكي ماسك الذي يعرف جيدا أن اهتمام الجمهور هو نصف الصفقة، فيبدأ بضرباته التي أشعلت حماس العالم أجمع لما يفعل عبر تلك الحركات الصغيرة!

فتح كل ذلك الباب للمزيد من الرحلات التجارية للفضاء في عصر ترغب كل دول العالم في إرسال أقمار صناعية وحمولات أخرى لأغراض متفرقة إلى الفضاء، ومع إقبال جماهيري لم يحدث منذ أكثر من نصف قرن أصبح الباب مفتوحا على مصراعيه لإيلون ماسك -ورفاقه من عالم مليارديرات وادي السيليكون- لاتخاذ خطوات واسعة تبدأ من القمر ولا تنتهي عند المريخ، في وقت من تاريخنا أصبحت فيه صواريخ الفضاء أقرب إلى الحافلة أو القطار!

آلهة جبال الأوليمب
في تلك النقطة دعنا نتوقف قليلا لنتساءل عن إيلون ماسك نفسه، إنه ليس شخصا واحدا، بل هو سياسة عمل جديدة وُلِدت من رحم الهواتف الذكية تنافس السياسات الحكومية التي تكلّست فباتت بطيئة ومكلفة للغاية في عصر رقمي سريع للغاية، في الوقت نفسه فإن التجربة ليست إيجابية بنسبة مئة في المئة، لأنه داخل تلك المصانع البرّاقة من الخارج يمكن أن ترى الكثير من الضغوط على أناس مثلي ومثلك، يمكن كذلك أن تلتقي بمهندسين مبدعين لكن لا أحد يعرف أسماءهم.

لكن لا شك أن ما يلفت النظر بشكل أكبر لهذا الرجل هو طموحه. تأمل الأمر قليلا، بعد أن حصل إيلون ماسك على 165 مليون دولار، نصيبه (13) في صفقة بيع “باي بال” (PayPal)، ربما تغيرت أفكاره عما يريده الواحد منّا في حياته، يشبه الأمر ما حدث في فيلم “بلا حدود” (Limitless) حينما حصل إيدي -بطل الفيلم الذي لعب دوره برادلي كوبر- على حبّة شفافة ترفع من مستوى ذكائه، لم يطمح للمال فقط أو الشهرة، بل طمح للعظمة، أن يكون مؤثرا ليس فقط في نطاق ضيق بل في العالم أجمع.

إيلون ماسك هو حالة شبيهة، مغامراته في شركات “سولار سيتي” و”تسلا” و”سبيس إكس” وغيرها تُشير إلى أنه يمتلك هذا النوع الغريب من الطموح، ليس للعالم بالطبع كما يبدو من رسائله، وهي أيضا صفة أساسية في ملوك وادي السيليكون (نود خلق عالم أفضل إلخ)، ولكن لذاته، وكأنه يريد حفر نفسه كأسطورة يونانية قديمة خُلِقت لكي تبقى عن آلهة الحرب أو الجمال أو الخير أو الشر، إنها تجربة لافتة للانتباه لا شك، على كل الاحتمالات الممكنة لمستقبل العالم معها.

زر الذهاب إلى الأعلى