الرسالة والجمهور
المواطن – غزة
الكاتب: صلاح هنية
الجمهور مطلبه بسيط (بدنا نعرف) عن كل ما يدور حوله ويقام لمصلحته وهذه من أبسط حقوقه وتعزز قيامه بواجباته. كنا نستغرب عندما ننشئ مشروعاً بدعم من المانحين؛ حيث ينشغلون بلوحة المشروع وحجمها وألوانها ومضمونها وبنوعية دهانات طويلة العمر، ونحن نندهش من سيل هذه التفاصيل وأين تثبت، وتزول دهشتنا عندما نتابع ردود الأفعال على اللوحة وكلها تتعلق بالحفظ عن ظهر قلب لتفاصيل المشروع الدقيقة التي تعلق بأذهان الجمهور المستهدف.
ويستمر التعاطي مع الأمر بحرفية أوراق مطوية فيها معلومات عن المشروع واعتذار من الجمهور لتعطل بعض المقاطع وغيرها، وهنا يكون تفاعل الجمهور مع مراحل المشروع والوعي بأهميته وحيويته، هذا عدا اجتماعات تمثيلية مع الجمهور وإيصال المعلومات لهم.
باختصار، لكل مشروع حكاية يجب أن تروى بتفاصيلها للجمهور، وهذا أمر لا نتقنه عملياً. نظرياً نحفظ عن ظهر قلب الرسالة ومحتواها ووسيلة نقلها والمتلقي، الحديث عن «التقى، وودّع، واطلع، وأبدى اهتماماً، ووجّه».. كلها قضايا ليست من أولويات الناس، ويعتبرونها مهام عمل يجب القيام بها وليست رسالة لنا، حكاية مشروع بناء المدرسة وإنشاء الشارع وتوسعة المستشفى بقسم جديد مهمة، وليست مملة بل ضرورية، زوار المستشفى مثلاً يرغبون بمعرفة حكاية توسعة قسم الطوارئ، وهو شغلهم الشاغل، ومن يشاهد إشارة تحويلة هذا يعني أن أعمال على الطريق بالتالي يرغب أن يسمع الحكاية، ومن يمتلك أرضاً حسّن منها الطريق الجديد يحب أن يسمع الحكاية وانعكاسها عليه، ليكون شريكاً وليس متفرجاً أو متلقياً لخبر غير دقيق من شخص إلى شخص فشخص آخر.
محدثي ناقشني من منطلق أن الغالبية منرفزة؛ لأن مؤسسة معينة أو أكثر من واحدة تقدم نفسها بمحتوى ورسالة وحكاية محبوكة، ولا يشكل هذا الأمر حافزاً للمنرفز أن يطور أداءه بتقديم محتوى ورسالة، ويضيف أن الكل لديه ما يقوله، ولكنهم ينسون ترتيب أوراقهم بشكل جيد ويذهبون صوب التعليق والتحليل على أداء الآخرين.
وتعتبر عملية النقل حرفياً الأسهل لدينا دون روح ولا مواءمة مع واقع وإمكانيات من نَقل، وقد أكون معجباً بنموذج ولكن أجتهد لأصنع الأفضل وما هو مناسب لمتطلباتي.
هل من الضروري أن يكون من يدافع عن حقوق المستهلك ومكافحة الغلاء والأغذية الفاسدة عنيفاً مع الحكومة والتجار والموزعين، ولا يأخذ نَفَساً ويضع معايير ومرجعيات، وبالتالي يصنع إنذاراً مبكراً لتلافي كل تلك الأخطار، وبهذا الشكل نقدم محتوى يصل عبر رسالة ووسيط إلى أوسع قاعدة شعبية، وتكون قد قدمت الرواية كاملة وحققت نتائج أفضل بكثير، ببساطة نستطيع القول: إن السلع التالية شهدت ارتفاعاً، وهي قادت ارتفاعات مرتبطة بها، وهذا يعود إلى أسباب كان بالإمكان تلافيها لو قمنا بالخطوات التالية أو وضعنا شروطاً مرجعية ناظمة، وقد نتشتت ونشتت ونقول: إن البلد كلها غلاء ولا يوجد من يضبط ولا يراقب ولا معايير للجودة!!
أجزم أن المشروع دون حكايته يبقى مبتوراً، وسيظل مثار جدل لأن التفاصيل غائبة، ويستطيع كل أن يضع تعليقه على لوحة المشروع الغائبة، وقد يقول قائل: إن التكلفة بالإمكان أن تكون أقل مفترضاً أن اختصارات لبنود لم تكن معهودة سابقاً ستوفر، وهنا مكمن المشكلة. لماذا لم تصل الرسالة واضحة عن النقلة النوعية عن عناصر المشروع بدءاً بالاستشاري إلى المكتب الهندسي المشرف، إلى الفحص المخبري، لو وصلت ستخلق وعياً مختلفاً في التعاطي مع حكاية المشاريع.