الخيارات المستحيلة.. كيف تجد الماء في غزّة؟
غزة – سعد الوحيدي
مساء التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عرض جيش الاحتلال مشاهد يظهر فيها جنوده يغلقون محابس الخطوط التي تمدّ قطاع غزّة بالمياه عن طريق شركة “مكوروت”، وذلك تنفيذاً لقرار وزير البنية التحتيّة في حكومة الاحتلال، يسرائيل كاتس، بالقطع الفوريّ لإمدادات المياه والطاقة عن القطاع، بعد 48 ساعة فقط من انطلاق عملية “طوفان الأقصى”. ثمّ على مدار عامٍ من الإبادة رأينا من خلال الصور المئات يصطفون في طوابير طويلة للحصول على ما لا يروي عطشهم ولا يكفي احتياجاتهم من الماء، أو حتى يستشهدون في سبيل ذلك.
يختصر هذان المشهدان حكايةَ أزمةٍ ممتدةٍ ضربت أرجاءَ قطاع غزّة، وعكست ترجمةً فعليّةً لمفهوم الإبادة الجماعيّة. عانى القطاع طيلة عقدين من الحصار الإسرائيلي من عجزٍ كبيرٍ في مسألة الحصول على المياه، ولم تسلم خلالها مرافقه الحيويّة من الاستهداف والتضييق وسياسات الاشتراط. لكن بعد الحرب الأخيرة، انتقل حال قطاع المياه من العجز والابتزاز إلى التدمير والإفناء الكامل.
تُعبّر بعضُ الأرقام عن هذا الإفناء، فمع اجتياح معظم المناطق بريّاً واتساع القصف الجويّ، انخفضت حصّة الفرد اليوميّة من المياه في غزّة من 80 لتراً قبل الحرب، إلى 2 لتر فقط بحلول آب/ أغسطس الماضي1، مع العلم بأن الحصة اليوميّة التي توصي بها منظمة الصحّة العالميّة هي 100 لتر يوميّاً.
من أين تحصل غزّة على الماء؟
قبل الحرب الأخيرة، كانت المياه التي يُزوّد بها الناس من خلال البلديات تأتي عبر ثلاثة مصادر: الأول؛ خطوط المياه الإسرائيلية التابعة لشركة “مكوروت”، والتي كانت تزوّد القطاع بـ53 ألف كوب يوميّاً عبر ثلاثة خطوط نقل رئيسة، ويُشكّل هذا المصدر 74٪ من إجمالي إمدادات المياه لقطاع غزّة2.
والمصدر الثاني هو ثلاث محطات لتحلية مياه البحر تابعة للبلديات؛ السودانية شمال مدينة غزّة، ودير البلح والبصة غرب المحافظة الوسطى، وقد أُسِّست بتمويلٍ عربيٍّ ودوليٍّ، وتُنتج يوميّاً 18 ألف كوب.
أما المصدر الثالث، فهو آبار المياه الجوفيّة التي يُقدَّرُ عددها في القطاع ما بين 282 إلى 397 بئراً، تملكها عدة جهات؛ البلديات، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ومصلحة مياه بلديات الساحل. تُقدّر الطاقة الإنتاجية لتلك الآبار بحوالي 272.6 ألف كوب يوميّاً. هذا عدا عن الآبار الشخصيّة التي يحفرها البعض في ساحات منازلهم للتغلب على شحّ المياه.
“مكوروت” وأخواتها من أدوات التحكم
خلال سنوات الحصار الإسرائيلي الممتد على قطاع غزّة، خضع قطاع المياه لأشكالٍ من الهندسة والتحكم في مفاصله الرئيسة. إلى جانب الاحتلال، قادت هذه العملية الجهاتُ المانحةُ الغربيّة عبر مشاريع إنشاء محطات تحلية مياه البحر، والخزانات، إذ كان شرط ذلك أن تتم إعادة هيكلة نظام شبكات المياه في غزّة بالانتقال من نظام تزويد الأحياء بالمياه عبر الآبار إلى نظام الخزانات الخرسانيّة التي تستقبل المياه من مصادرها الثلاثة المذكورة أعلاه، ثمّ تضخّها إلى الأحياء السكنيّة.
تطلّب التحول إلى هذا النظام، إلزامية دمج خطوط مياه “مكوروت” لتصبح مكوناً رئيساً في شبكة المياه وعمودها الفقريّ. وقد تزامن ذلك، وفق شهادات عدد من المهندسين في غزّة، مع إجبار الطرف الفلسطيني على تفكيك المحابس التي تتحكم بكمية المياه الواردة من “مكوروت”، رغم احتفاظ الاحتلال بمحابس مماثلة داخل الأرض المحتلة عام 1948. وهكذا، بات المسيطر على جريان المياه هو الاحتلال فقط.
الترسانة العسكريّة تلاحق حتى مهندسي الماء
في 21 حزيران/ يونيو 2024، وبينما كانوا يحاولون إصلاح بئر لتوفير المياه للناس، اغتال الاحتلال خمسة من الموظفين في بلدية غزّة، هم أنور الجندي، مدير عام المياه وعضو لجنة الطوارئ، وزاهر الحداد وشريف الجندي وإبراهيم أبو خاطر وأحمد الحلو. لخّص هذا الاغتيال سياسة “إسرائيل” في القطاع؛ قتل كل من يفكر أو يحاول في توفير مقومات الحياة.
وقبل ذلك أمعن الاحتلال في تدمير البنية التحتية، وأخرج مصادر المياه المتبقية عن الخدمة تباعاً، عبر جحيم النار الذي صبّه من السماء، ثم أكمل تدمير ما تبقى خلال الاجتياح البريّ الواسع لمحافظات القطاع.
وفقاً لبيانات مكتب الإعلام الحكومي في غزّة، دمّر الاحتلال 700 بئر مياه في عموم محافظات قطاع غزّة حتى نهاية آب/ أغسطس الماضي، وحوالي 330 ألف متر طولي من شبكات المياه، و655 ألف متر طولي من شبكات الصرف الصحيّ. هذا عدا عن تدمير حوالي مليون متر طولي من شبكات الطرق، والتي تؤثر بشكلٍ مباشر على خطوط المياه.
كما خرجت محطات تحلية مياه البحر في السودانية ودير البلح عن الخدمة لفترات متقطعة نتيجة انقطاع الوقود والكهرباء وموجات القصف الجويّ العنيف، الذي منع الطواقم الفنيّة من مواصلة العمل فيها. تبع ذلك توقف آبار المياه التابعة للبلديات ومصلحة مياه الساحل في كافة محافظات غزّة للأسباب نفسها.
وبحسب المهندس ياسر، من إحدى الهيئات الدولية العاملة في قطاع غزّة3، فقد انخفضت إمدادات مياه الشرب في قطاع غزّة في الشهر الأول من الحرب بنسبة 64% عمّا كانت عليه قبل الحرب. ويقول إنّ نسبة انخفاض إمدادات المياه غير الصالحة للشرب بلغت 88٪ للفترة ذاتها، فيما أصبح 97٪ من سكان قطاع غزّة غير متصلين بشبكات المياه التابعة للبلديات نتيجة تدمير البنية التحتية.
أما المهندس عاصم النبيه، المتحدث باسم بلدية غزّة وعضو لجنة الطوارئ، أفاد في حديث مع “متراس” بأنّ 75٪ من آبار المياه التابعة لبلدية غزّة خرجت عن الخدمة. أضاف أنّ بلدية غزة بدأت منذ آذار/ مارس الماضي بتلقي كميات محدودة من الوقود عبر سلطة المياه، مكّنتها من ضخّ المياه إلى 40٪ من مساحة مدينة غزّة، لكن تدمير الخطوط أو وقوع الخطوط الناقلة تحت أطنان من الأنقاض، يحول دون وصول المياه إلى كثير من الأحياء.
طال هذا التدمير أيضاً منظومات التعقيم المخصصة لمياه الاستخدامات المنزلية، يُضاف إليه منع الاحتلال دخول الكلور إلى القطاع ما أدّى إلى تحوّل ما تبقى من مصادر قليلة للمياه إلى بؤر لتفشي الأمراض المعدية والأوبئة. وثّق مكتب الإعلام الحكومي حتى تاريخ 25 أيلول/ سبتمبر 2024 ما يقارب 1.7 مليون مصاب بأمراض معدية، منها 71.338 حالة عدوى كبد وبائي، فيما أشارت تقارير أممية في 13 آب/ أغسطس 2024، إلى وجود 40 ألف مصاب بالتهاب الكبد الوبائي أ في غزّة، مقارنةً بـ85 حالة فقط حتى تموز/ يوليو 2023، نتيجة لجوء سكان القطاع لشرب المياه الملوّثة.
ويقول المهندس ياسر إنّه وفي منتصف آب/أغسطس 2024، بدأت مجدداً عمليات تزويد المياه المزودة عبر ما بقي من الشبكات بالكلور بنسبة 6٪ فقط، علماً أنّ النسبة المطلوبة هي 12٪ لضمان تعقيم المياه ومنع انتشار الأمراض المعدية.
الماء الممزوج بدمّ الناس
في ظلّ هذه الظروف، بدأ الناس منذ الأسبوع الأول للحرب بالاقتصاد في استهلاك المياه، ساعين لتوفير بدائل وحلول، وبعضهم لجأ إلى عدم تصريف المياه المستخدمة وإعادة استخدامها لأغراض منزليّة.
غازي المجدلاوي (27 عاماً)، من مخيّم جباليا، تحدّث لـ “متراس” عن أطوار أزمة المياه التي عانى منها كحال مئات الآلاف الذين قرروا البقاء في شمال القطاع وعدم النزوح جنوباً. يقول: “خلال الشهر الأول من الحرب، كانت المياه تصل للبيوت بمعدل مرّة واحدة أسبوعيّاً، ونتيجة لانقطاع الكهرباء تعذر استخدام المضخات لرفعها إلى الخزانات العلوية فوق المنازل، فكنا ننتظر ساعات قدوم المياه لتعبئتها في الأواني والجرادل للاستفادة منها قدر المستطاع”.
خلال الشهور التالية، سعى الأهالي في غزّة وشمالها إلى جمع ما توفّر من كميات من السولار لتشغيل الآبار العامة، إضافة لجهود طواقم البلديات لتوفير السولار بأيّ شكلٍ كان، وهنا أصبحت الآبار أو ما بقي منها المزوّد المباشر لمئات الآلاف بمياه الاستخدام المنزليّ. ظهرت هنا طوابير الماء التي تتمدّ لمئات الأمتار وينتظر فيها الناس ساعاتٍ طويلةٍ للحصول على كمياتٍ مُقننة.
مع توسّع الاجتياح البريّ لأحياء غزّة وشمالها توقّفت آبار البلديات عن ضخّ الماء، فلجأ البعض، بحسب غازي، إلى الآبار المنزليّة أو الزراعيّة وزوّدوها بما يتوفر من السولار وشغّلوها، خاصّةً في الفترة ما بين كانون الأول/ ديسمبر 2023 إلى شباط/ فبراير 2024.
وخلال رحلة المشي لساعات للوصول إلى الآبار العاملة أو العودة منها أو الانتظار عندها، قضى العشرات شهداء وأصيب المئات نتيجة الغارات التي استهدفت طوابير المياه أو محيطها. يقول غازي: “كتير ناس استشهدت وهي رايحة تعبي ميا، أو على طابور الميا، أو وهي راجعة من تعباية الميا، صاحبي عوض الحوّ، راح يعبي ميّا، انضربت دار جنب المحطة، استشهد وهو واقف في الطابور ومعاه كتير ناس”.
5 أضعاف!
وفي جنوب القطاع والمحافظة الوسطى، لا يختلف المشهد اليوم كثيراً عن غزّة وشمالها، لكن بداية الأزمة الفعليّة تأخرت إلى حين، لا أكثر، إذ يُحدّثنا أبو جلال4 (35 عاماً) الذي اضطر للنزوح إلى خان يونس من مدينة غزّة بعد تدمير منزله في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أنه استمر بالحصول على مياه الشرب من المحطات التجارية، وعلى مياه الاستخدامات المنزلية من الآبار الجوفيّة التابعة لمصلحة مياه بلديات الساحل. لكن توافد مئات آلاف النازحين، وزيادة الضغط على هذه الآبار تسبّب بعجزها عن توفير المياه لكافة الأعداد التي وفدت لمناطق الوسطى والجنوب.
يضيف أبو جلال، أنّ محطات تحلية مياه الشرب التجاريّة اتجّهت لضخّ المياه المالحة دون تحليتها وذلك لسدّ العجز الكبير في توافر المياه، فيما لجأ آلاف النازحين إلى البحر للاستحمام والحصول على المياه اللازمة للغسيل والتنظيف، وحصل آخرون على المياه من آبار المياه الجوفية في المزارع والبيوت.
كما استطاعت مصلحة مياه بلديات الساحل عبر التنسيق الأمميّ، الحصول على كميات من الوقود مكّنتها من تشغيل الآبار الصالحة للعمل في الوسطى والجنوب ومحطة تحلية مياه البحر في دير البلح، وذلك لفترات متباعدة وبشكلٍ متقطع.
يقول أبو جلال إنّ سعر كوب المياه المالحة (المعدة للاستخدام المنزلي) وصل إلى 80 شيكلاً في المحطات التجارية، وبسعر 100 شيكل عند إيصاله لخزانات البيوت، وهو أكثر من ضعف سعره قبل العدوان الذي كان بحدود 40 شيكلاً، فيما ارتفع سعر جالون مياه الشرب سعة 20 لتراً إلى 4 و5 شواكل في حين كان سعره قبل الحرب شيكل واحد فقط.
سعياً لتحقيق اختراقٍ ما..
على مشارف العام الأول من الإبادة المتواصلة، لا يبدو الوضع على الأرض أفضل بكثير فيما يخص توفّر المياه. لكنَّ تراجع حدّة العدوان في بعض المناطق ومثابرة العاملين في الميدان لمحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه، رغم قلّة الوسائل والأدوات المتاحة، قاد لتحقيق شيءٍ ما. لا يعالج هذا “الشيء” الأزمةَ ولا يمكن القول بأنّه تحسّنٌ طفيف، لكن الجهود التي دُفعت فيها الأرواح والدماء ما زالت تسعى لتحقيق اختراقٍ ما.
واليوم، فإنّ الضخّ قد عاد بشكلٍ جزئي لمدينة غزّة عبر خطّ “مكوروت” الإسرائيلي، كما تمكّنت البلدية من تشغيل 30 بئراً بمتوسط 10 ساعات أسبوعيّاً حسب توفّر الوقود، وذلك بحسب الناطق باسم البلدية عاصم النبيه.
أما في محافظة شمال غزّة، فبحسب ما ينقله لنا المجدلاوي فإنّ مناطق جباليا ومخيّمها وبيت لاهيا وبيت حانون، تعتمد – حتى تاريخ كتابة هذا المقال- على 3 مضخات غاطس لتزويد الأهالي بالمياه، وهي المضخات المدفونة داخل الآبار في الأراضي الزراعيّة. يشرح المجدلاوي أنّ الأهالي جمّعوا ألواحَ الطاقة الشمسيّة وأنظمة البطاريات لصالح تلك المضخات وشغّلوها. تزوّد هذه المضخات الأهالي بـ40 لتراً للشخص الواحد في كل فرصة يُتاح تشغيلها.
أما بخصوص مياه الشرب، فمحطات التحلية التجاريّة التي تعمل حالياً، هي 4 محطات فقط، تورّد المياه عبر سيارات صهريج إلى الأحياء، وذلك بتمويلٍ من جمعيات خيريّة ومتبرعين من خارج القطاع، ويصطف الناس للحصول على حصتهم منها. أما من يرغب في شراء خزان مياه شرب بسعة 200 لتر، فإنّ سعره اليوم 25 شيكلاً، فيما كان سعره قبل العدوان 8 شواكل فقط. هذا في حال إقناع أصحاب سيارات الصهريج بالقدوم للمنازل للتعبئة، إذ يفضّلون بالدرجة الأولى العمل مع المؤسسات والجهات الخيرية.
وينقل لنا أبو جلال صورة الحال في وسط وجنوب القطاع بالقول، إن عدداً من مخيّمات النازحين شهدت حفر وتشغيل آبارٍ جوفيّة بتمويلٍ من منظماتٍ خيريّة ومتبرعين، وتُشغّل الآبار المتبقية قيد الخدمة عبر كميات الوقود التي تتولى المنظمات الدولية التنسيق لإدخالها بشكلٍ محدود. كذلك دشّنت الإمارات مشاريع محطات متنقلة لتحلية مياه البحر5، كما تموّل منظمات خيريّة توزيع صهاريج مياه الشرب لعدد من مخيمات النازحين، فيما يلجأ آخرون لشراء المياه العذبة أو المالحة بأضعاف سعرها الأصلي.
هل عادت المياه من مصادرها؟
أما عن واقع الإمدادات المائية من مصادرها الثلاثة الأصلية، أشار المهندس ياسر إلى عودة العمل بالحدّ الأدنى في محطات تحلية مياه البحر في غزّة ودير البلح، إذ تنتج محطة السودانية شمال غزّة 2800 كوب يومياً من أصل 10.000، وتنتج محطة دير البلح 1600 كوب يومياً من أصل 6000 كوب، فيما لا تزال محطة البصة التي تبلغ قدرتها الإنتاجية 2000 كوب يوميّاً متوقفة عن العمل كليّاً. وبذلك انخفض مجموع إنتاج محطات تحلية مياه البحر إلى 4400 كوب يوميّاً من أصل 22.000 كوب يوميّاً، أي بعجزٍ وصل إلى 80% من مجمل طاقتها الإنتاجية6.
أما بالنسبة لخطوط المياه القادمة من الاحتلال “مكوروت”، فبحلول آب/ أغسطس 2024 وصلت الإمدادات لمدينة غزّة عبر خطّ المنطار إلى 20 ألف كوب يوميّاً من أصل 24 ألف كوب، وفي الوسطى وصلت الإمدادات إلى 12 ألف كوب يوميّاً من أصل 14 ألف، قبل أن يوقف الاحتلال ضخ المياه بشكل مفاجئ منذ تاريخ 24 تموز/ يوليو 2024. أما في خانيونس فقط، وصلت إمدادات خط “مكوروت” إلى 9500 كوب من أصل 14 ألف كوب يوميّاً، قبل أن يُدمّر الاحتلال الخط الناقل ويقطع المياه عن المحافظة خلال الاجتياح الأخير لها مطلع آب/ أغسطس الماضي.
على صعيد الآبار الجوفية، تضخّ الآبار التابعة لـ “الأونروا” ما معدله 4600 كوب يوميّاً، فيما تنتج محطات التحلية المتنقلة لمياه البحر الممولة إماراتيّاً ما مجموعه 7700 كوب يوميّاً، فيما يبلغ كامل إنتاج الآبار في مناطق جنوب وادي غزة 36 ألف كوب يوميّاً، وجميع هذه الأرقام حال توفر الكهرباء أو الوقود، وليست ثابتة بشكل يومي.
البحث عن إعلاء سقف الممكن
بعد عام كامل من الإبادة، بدا واضحاً أنّ قطاعاً إنسانيّاً استراتيجيّاً كالمياه كان في صلب أهداف الإبادة الإسرائيلية الممتدة، وفي صدارة بنك أهدافها التي طالت كافة مناحي الحياة البشرية في القطاع، وأنه كان خاضعاً منذ سنوات لمحاولات الفحص والتجربة والهيمنة المتدرجة، شأنه كشأن ملفات الكهرباء والمعابر والزراعة وغيرها، التي استعمل فيها الاحتلال سياسة التجربة والفحص، وصولاً للحظة استخدام هذه الورقة كردّ ميداني على “طوفان الأقصى”.
وبات هذا الملف اليوم، ضمن جملة ممتدة من الملفات التي تضغط بها “إسرائيل” لتغيير المشهد عسكريّاً وسياسيّاً وإنسانيّاً، ضمن ما يسمى بمشهد “اليوم التالي”، وما يرتبط به من ملفات الكهرباء وإعادة الإعمار والمعابر والسيطرة الميدانية والمساعدات الإنسانية. وفي المقابل، تصارع غزّة بما تمتلك من وسائل وأدوات لإحداث اختراق ما في هذا الجانب، غير أن المشهد العام يبدو حتى اللحظة تحت سقف الممكن، وخاضعاً لخيارات “إسرائيل” السياسية وتحت سطوة وسائلها العسكرية المباشرة.
المصدر: متراس