آخر الأخبارأقلام

الحماية الدولية للفلسطينيين

د. صلاح عبد العاطي
تمهيد:
على مدار تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ظلت الحماية الدولية مطلباً فلسطينياً دائماً يتجدد إثر كل عدوان من الاحتلال الإسرائيلي .

وتكرر مؤخراً في بيانات وخطابات الرؤساء في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي اجتماعات القمة العربية والإسلامية، ومؤخرا ظهر كمطلب متوافق عليه عربيا في بيان القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة امس الموافق 4 مارس 2025 .
كما ورد خطاب الحماية الدولية في الحالة الفلسطينية كفكرة ثابتة في الخطاب الأكاديمي والحقوقي والسياسي، دون وضوح في شكل الحماية المطلوب تحقيقه وآليات تحقيقه، ودون الاتفاق فلسطينياً على رؤية للتعامل مع النظام الدولي لتوظيف كافة الفرص لتوفير حماية دولية كخطوة مؤقتة على طريق انهاء الاحتلال.

وخاصة في ضوء جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها دولة الاحتلال منذ 7 من أكتوبر وحتي الان والتي تتواصل فصولها بمطالبة امريكة وإسرائيلية بضم الضفة وتهجير سكان قطاع غزة ، الامر الذي يطرح ضرورة بلورة استراتجية وطنية تقوم على استعادة الوحدة و تدويل الصراع وتفعيل مسارات المحاسبة والمقاطعة وطلب الحماية الدولية وتجنيد الدعم العربي والدولي لنضال الشعب الفلسطيني وحماية حقوقه المشروعة .

وعلى الرغم من الأدراك بأن تحقيق هذا المطلب يصطدم بعقبات متعددة منها الرفض الإسرائيلي والفيتو الامريكي في مجلس الامن، الامر الذي يعقد من امكانية تنفيذه فعليا، ومع ذلك هناك وجهتا نظر الاولي تؤكد ضرورة اعتبار طلب الحماية الدولية جزء من المعركة الدبلوماسية في ظل ميزان القوى السياسية القائم، والثانية تقول بضرورة اعتماده لحماية الشعب الفلسطيني وممتلكاته من جرائم الاحتلال، بما يؤسس لخطوات فعلية وان كانت مؤقتة على طريق انهاء الاحتلال.

ونظراً لنقص الدراسات في هذا المجال وضعف المعرفة لدى القيادات والنخب السياسية والأكاديمية الفلسطينية والعربية حول الحماية الدولية والتجارب السابقة ومدى وملاءمتها للوضع الفلسطيني لاختيار النموذج الانسب، الامر الذي يفرض دراسة مجال الحماية الدولية وآلياتها، وسبل توظيفها لمصلحة القضية والشعب الفلسطيني إعمالا لقاعدة ما لا يدرك جله لا يترك كله.

مع العلم بان هناك دراسة كاملة نشرها الكاتب قبل سنوات حول الحماية الدولية يمكن الاستفادة منها من قبل المعنيين .

أولا: مسوغات الحماية الدولية للشعب الفلسطيني: –
يعتبر طلب الشعب الفلسطيني مطلباً شرعياً وينسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما أن هناك مجموعة من المسوغات، التي تبرر هذا الطلب من الناحية القانونية والحقوقية وهي: –

-خضوع الشعب الفلسطيني للاحتلال لسنوات طويلة، وإمعان هذا الاحتلال في انتهاك أحكام القانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وارتكابه جرائم الإبادة والتطهير العرقي وإعلان دولة الاحتلال عن نواياها في ضم الضفة الغربية وتهجير سكان قطاع غزة بعد تدميره وقتل اكثر من 65 شهيد مفقود واصابة 112 الف مواطن ، ما يتطلب التدخل العاجل لقمع هذه الانتهاكات وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني.

-توافر العديد من التقارير الدولية حول الانتهاكات الجسمية لحقوق الانسان من قبل الاحتلال الإسرائيلي واقترافه لجرائم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية سواء جرائم الاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري، والتنكيل بالأسري الفلسطينيين، القتل خارج إطار القانون وتهويد القدس، وجرائم الحصار والعدوان على قطاع غزة والذي اخره حرب إبادة جماعية لا تزال تتواصل باشكال مختلفة ، وما يستدعي حماية الشعب الفلسطيني من هذه الجرائم.

-اعتراف المجتمع الدولي بدولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، وما زالت هذه الدولة عاجزة عن فرض سيادتها وتوفير الحماية لشعبها من جرائم الاحتلال، ما يفرض على المجتمع الدولي التدخل العاجل لتمكين الشعب الفلسطيني من الفكاك من الاحتلال، وحماية الفلسطينيين في ظل عدم قدرة دولتهم على حمايتهم.

-فشل خيار المفاوضات ووصوله لطريق مسدود، ولم يعد مقبولاً أن تستمر جرائم الاحتلال في طل تعطيل الإلىات الدولية، وخاصة الحماية لأبناء الشعب الفلسطيني.
-تقدم دولة فلسطين بشكل رسمي ومتكرر بطلب الحماية الدولية، ما يفرض على المجتمع الدولي الاستجابة لهذا الطلب، خاصة وأنه لا مجال لتحقيق الحماية الوطنية، بسبب وجود الاحتلال.

-هنالك العديد من القرارات الدولية حول حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة، والعديد من القرارات من المحاكم الدولية، التي تقر بأن الأراضي المحتلة عام 1967 تخضع لاحتلال غير شرعي وان هناك التزامات على عاتق المجتمع الدولي لانهاء الاحتلال .

– عجز السلطة الفلسطينية والحركة الوطنية وفصائل المقاومة على حماية المدنيين الفلسطينيين، وغياب إلية سياسية واضحة لانتقال السلطة في الأراضي الفلسطينية في ضوء حالة التفرد والانقسام السياسي وغياب رؤية وطنية لتحويل مؤسسات السلطة إلى مؤسسات الدولة التي اعترف بها العالم، الامر الذي يمكن أن يؤدي إلى انهيار السلطة او إلى حالة من الفوضى الأمنية والسياسية.

– الخشية الفعلية من قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي بتوسيع الأعمال العدوانية الانتقامية، او القيام بمواصلة جرائم الإبادة الجماعية والتظهير العرقي في قطاع غزة والضفة الغربية وهذا سيكون بالتأكيد عبئًا على الامن القومي العربي والإقليمي والسلم الدولي ككل.

ثانياً: التوجسات والشكوك الفلسطينية من الحماية الدولية: –

رغم مشروعية طلب الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، ووجود العديد من المسوغات والأسانيد القانونية، الا أن هذا لا ينفي عدد من التوجسات والشكوك في جدواها، ومن أهمها: –

1-الشعور بعدم الجدوى من الإلىات الدولية بوجه عام وإلىة الحماية الدولية بوجه خاص، لا سيما في ظل تركيبة الأمم المتحدة وتحديداً مجلس الأمن، ووقوف أمريكا بالمرصاد لكل طلب فلسطيني يتعلق بإنهاء الاحتلال، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وطلب الحماية الدولية، والعديد من التجارب العملية تدعم هذا التوجس والشكوك.

2-الخشية من أن يترتب على طلب الحماية الدولية المساس بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة وإفقاده أحد أهم الأدوات في مواجهة الاحتلال، ويعود السبب وراء هذا التوجس لغياب الفهم الحقيقي للحماية الدولية ودورها.

فالحماية الدولية وظيفتها توفير الحماية من الجرائم والانتهاكات، ولا تمس بحق الشعب الخاضع للاحتلال من ممارسة حقه في المقاومة وتقرير مصيره بنفسه.
3-التذبذب ما بين خيار اللجوء للإلىات الدولية من جانب، ومسار الإبقاء على الأوضاع الراهنة الرهان على عودة المفاوضات من جانب آخر. ومن أسباب هذا التذبذب أيضاً الخشية من إجراءات عقابية مإلىة وسياسية ودبلوماسية، وقد برزت تهديدات أمريكية وإسرائيلية على الملأ في كل خطوة خطتها فلسطين نحو الإلىات الدولية.
ورغم القناعة بوجود معيقات وتعقيدات أمام حق الشعب الفلسطيني في اللجوء للإلىات الدولية وطلب الحماية، الا أنها تبقى الخيار الأفضل للشعب الفلسطيني قياساً بخيار المراهنة على اوهام المفاوضات .
لذا من المهم العمل على إزالة الشكوك وتذليل العقبات لخوض غمار الحماية الدولية، طالما هي إلىة قانونية في إطار القانون الدولي، وطالما تحقق مصلحة الشعب الفلسطيني، كما انه من غير المفهوم التوجس من إلىة الحماية خشية من الفيتو الأمريكي، وفي المقابل القبول بمفاوضات مباشرة مع اسرائيل تحت الرعاية الأمريكية المنفردة لهذه المفاوضات.

ثالثاً: تجارب الحماية في الحالة الفلسطينية.

بعد العدوان الثلاثي على مصر في نوفمبر 1956، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إرسال قوات الطوارئ الدولية UNEF1 للإشراف على انسحاب القوات المعتدية، حيث استجب للطلب القوات البريطانية والفرنسية، فيما رفضت القوات الإسرائيلية الانسحاب من قطاع غزة ، وبناء عليه أصدرت الجمعية العامة عدة قرارات طالبت فيها إسرائيل بالانسحاب من القطاع حيث اشترطت إسرائيل إدارة القطاع من قبل قوات دولية وبناء عليه قامت قوات الطوراي بإدارة القطاع بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع بتاريخ 7/3/1957، ولاحقا اضطرت قوات الطوارئ الدولية قبول عودة الإدارة المصرية بسبب الاحتجاجات من السكان ومطالبتهم بعودة الإدارة المصرية. ”
في 14 يونيو عام 1967 أصدر مجلس الامن قرار رقم 237 وبموجبه كَلف الأمين العام مدير مكتب الأونروا في اليونان لكي يتابع التنفيذ الفعال للقرار الذي أوصى “الحكومات المعنية بالاحترام الدقيق للمبادئ الانسانية” بشأن معاملة أسرى الحرب وحماية المدنيين وقت الحرب. وفشلت المهمة بسبب إدخال إسرائيل لليهود العرب ضمن دائرة القرار.
كذلك صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 2443 لعام 1968 الذي طالب بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، فدوما حرصت إسرائيل على رفض تدويل الصراع كونها تدرك بان هناك ترسانة من القرارات الصادرة عن المؤسسات الدولية لا تصب في صالحها، لكنها وافقت في عام 1994 على تواجد دولي لقوات المراقبين الدوليين المؤقتين في الخليل” (TIPH) بعد مذبحة الحرم الابراهيمي ضد المصلين الفلسطينيين في الخليل، وقد جاءت الموافقة على وجود المراقبين الدوليين ، للتهرب من احتمال إرسال قوة حماية دولية اثر صدور قرار مجلس رقم 904 لعام 1994، والذي “أكد على الحاجة إلى توفير الحماية والأمن للشعب الفلسطيني”. بحيث تم الالتفاف على القرار وبموافقة السلطة بموجب اتفاقية الخليل الموقعة في القاهرة في 31/3/1994، والتي نصت على موافقة الوفدان الإسرائيلي والفلسطيني على وجود دولي مؤقت في مدينة الخليل مكون من 160 عنصراً من دول أوربية يضمون مراقبين ميدانيين وموظفين وعاملين على ان لا تقوم هذه القوة بأي مهام عسكرية أو بمهام الشرطة .
، وهي تكتفي بكتابة التقارير عن خروقات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان الدولية وكذلك خروقات الاتفاقيات الموقعة حول مدينة الخليل.ورفعها للجنة الارتباط الفلسطينية-الإسرائيلية ولا علاقة للأمم المتحدة بها، وان اتخدت الحكومة الاسرئيلية بتاريخ 28/1 /2019 قرار بوقف التجديد لعمل البعثة الدولية.
ولاحقا عاد موضوع الحماية الدولية مرة اخري إثر طلب تقدمت به فلسطين والمجموعة العربية بتاريخ 15/3/2001 لمجلس الأمن الذي ناقش امكانية إرسال قوة حماية دولية للشعب الفلسطيني، وقد تم التصويت على الطلب بتاريخ 28/3/2001، ورفض الطلب نظراً لاستخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضده، بالرغم من النتائج السلبية التي منيت بها المساعي الفلسطينية لإرسال قوة حماية دولية، الا أنه وفي ظل الظروف السياسية المستجدة وإمعان سلطات الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب انتهاكات جسمية وتنكرها الدائم لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، في ضوء حصول فلسطين على عضوية الدولة المراقب يصبح المطالبة بالحماية الدولية والعمل من اجلها أمراً ضرورياً لتفادي وقوع المزيد من الضحايا ولضمان وقف جرائم الاحتلال بحق المدنيين والسياسيات التوسعية الاستيطانية وفرض وقائع على الأرض من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

رابعا : خيارات الحماية الدولية للفلسطينيين: –
1-حماية اللاجئين: –
يتمتع اللاجئون الفلسطينيون بالحماية الواردة للاجئين في معظم المواثيق والاتفاقيات القانونية الدولية التي تحدد حقوق الدول وواجباتها اتجاههم، والتي من أبرزها اتفاقية جنيف، والاتفاقية الدولية المتعلقة بوضع اللاجئين لعام 1951، وميثاق المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اضافة إلى قرار الأمم المتحدة رقم 194 الذي يعد مرجعية قانونية للاجئين الفلسطينيين للمطالبة بحقوقهم، يتكون القرار من 15 فقرة تناولت بصورة أساسية إنشاء لجنة التوفيق من أجل القيام بالأعمال الموكلة لوسيط الأمم المتحدة, ومن أجل حماية الأماكن المقدسة واللاجئين، ومع ذلك فالقرار لم يطبق بالرغم من التأكيد على جهود لجنة التوفيق بقرار من الأمم المتحدة عام 1951، سبق هذا التأكيد إصدار الأمم المتحدة قرار (302) الذي نص على إنشاء وكالة الغوث بتاريخ 8/2/1949، الذي مهمتها غوث وتشغيل اللاجئين.
فيما يحتذى مهمة الحماية للاجئين الفلسطينيين بلجنة التوفيق، بديلاً عن مفوضية اللاجئين الدولية، ولكن بتفويض محدد جداً يتعلق بمتطلبات حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يقوم على ضمان حقهم بالعودة إلى ديارهم والتعويض المنصف والملائم عن خسائرهم، بسبب رفض ضمان حقوقهم أحبطت وتبددت جهود لجنة التوفيق إلى أن توقفت بعد أربع سنوات من تأسيسها، منذ ذلك التاريخ، بات اللاجئين الفلسطينيين غير مخولين بتلقي أكثر من مساعدات وخدمات يومية عبر مكاتب برامج الأونروا..
مما سبق نرى بأنه مع موقف عمل لجنة التوفيق ترك اللاجئين الفلسطينين بدون حماية المفوضية العليا للاجئين والتي استمرت حتى الآن، وبالرغم من أن نص المادة (1د) من اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين تضمن انه في حال فشل أي من الوكالتين في تأدية دورها المنوط بها قبل أي حل نهائي لوضع اللاجئين، فان مهمة الحماية تنتقل بدورها إلى مفوضية اللاجئين، التي يجب أن تعرف كافة الضمانات والحماية للاجئين الفلسطينيين خاصة في ضوء ما حدث مع اللاجئين الفلسطينين في إلىرموك والعراق، وما يحدث معهم في مخيمات الضفة وغزة.
هذا هو مضمون الحماية الذي يجب السعي له من قبل منظمة التحرير لتوفير مزيد من الحماية للاجئين الفلسطينيين وبمقتضي ذلك يجب الضغط من اجل أن تشرف مفوضية اللاجئين على مراقبة وتحقيق مقتضيات الحلول والاتفاقيات والقوانين الدولية الملائمة وذات العلاقة وكذلك بان تراقب وتنجز ولو بطريق الفرض بالقوة أيا من الحلول المقررة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين.

2-إلىات الحماية للفلسطينيين في إطار القانون الدولي الإنساني: –
تضمن القانون الدولي الإنساني المطبق اثناء النزاعات المسلحة او اثناء الاحتلال العسكري مجموعة من الإلىات تتعلق بالحماية، وبما ان فلسطين بات طرفا تعاقديا في احكام واتفاقيات القانون الدولي الانساني يمكن ان تستفيد من هذه الإلىات ونوردها هنا وبإيجاز: –
أ-الدولة الحامية: –
الدولة الحامية هي دولة محايدة تختارها الدولة المحتلة أراضيها لحماية مصالحها ورعاياها في الأراضي المحتلة وكذا للمعاونة والإشـراف على تطبيق أحكام اتفاقية المدنيين فيما يتعلق بحمـاية الأشخاص المدنيين المقيمين في الأراضي المحتـلة، ويتطلب تعيين الدولة الحامية موافقة أطراف ثلاثة، الطرف الأول هو الدولة المحايدة التي تقبل القيام بدور الدولة الحامية في الأراضي المحتلة، والطرف الثاني هو الدولة المحتلة أراضيها والتي ترغب في حماية رعاياها الموجودين تحت رحمة سلطات الاحتلال وقواته في الأراضي المحتلة والطرف الثالث هو دولة الاحتلال التي يجب أن توافق على قيام الدولة الحامية بمباشرة نشاطها في داخل الأراضي المحتلة. وفي حالة غياب الدولة الحامية نصت المادة 11 من اتفاقية المدنيين في فقرتها الثانية على ما يلي ” إذا لم ينتفع الأشخاص المحميون أو تنقطع استفادتهم لأي سبب كان بجهود الدولة الحامية أو هيئة معينة وفقا للفقرة الأولى أعلاه، فعلى الدولة الحاجزة أن تطلب إلى دولة محايدة أو إلى هيئة من هذا القبيل أن تضطلع بالوظائف التي تفرضها هذه الاتفاقية بالدولة الحامية التي تعينها أطراف النزاع”.
وتقوم الدولة الحامية بعدة مهام تدور جميعها حول هدف واحد هو دعم ومراقبة تنفيذ الالتزامات المترتبة على أحكام اتفاقيات جنيف، وهذا ما نصت عليه المادة 12 من اتفاقية جنيف الرابعة، مثل بذل المعاونة لتسهيل إنشاء المستشفيات وإنشاء مناطق أمنية وتسهيل اعتراف الأطراف المعنية بهذه المنشآت. ومراقبة توزيع المواد الطبية والمواد الغذائية والملابس وضمان توزيعها على الأشخاص المستفيدين وعدم استخدامها لمصلحة سلطات الاحتلال وكذلك التأكد من كفاية المواد التموينية والطبية لسد احتياجات الأهإلى في الأقإلىم المحتلة، و تلقي طلبات الأشخاص المحميين، والتدخل عند الطلب بخصوص معرفة أسباب منع أي شخص من مغادرة الإقليم المحتل، وتلقي شكاوي عمال الأقإلىم المحتلة الذين تقوم سلطات الاحتلال بتشغيلهم، والمعاونة في تسليم الإعانات المإلىة لغير القادرين على الكسب من الأشخاص المحميين، و مراقبة عمليات النقل والإجلاء التي يقوم بها المحتل للأشخاص المحميين والتي تتم كاستثناء وبشروط معينة ينبغي توافرها طبقا لنص المادة 49، وكذلك مراقبة أحكام الاتفاقية الخاصة بنقل الأشخاص المحميين إلى خارج الأقإلىم المحتلة، كما تقوم الدولة الحامية بمراقبة المؤسسات القضائية لدولة الاحتلال عند محاكمة أي شخص مدني منذ إخطاره بالتهمة الموجهة ضده إلى حين صدور الحكم، والقيام بمهام فيما يتعلق بإجراءات محاكمة الأشخاص المحميين في الأقإلىم المحتلة وبإجراءات اعتقالهم مثل تعيين محام للدفاع عن الشخص المتهم، وحضور المحاكمات وزيارة مندوبو الدولة الحامية للأشخاص المعتقلين وزيارة المعتقلات والسجون في الأقإلىم المحتلة كما تقوم الدولة الحامية بتسليم مرتبات المعتقلين ومراقبة حساباتهم وتلقي شكاواهم والتعرف على احتياجاتهم…إلى غير ذلك من المهام.
ولا يشكل تعيين الدولة الحامية أي عقبة في سبيل الجهود الإنسانية التي تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أي هيئة تقدم خدماتها للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة.
مشكلة هذه الآلية اعتمادها على رضى الأطراف، ورضى دولة الاحتلال بها، أو يمكن التهكن بصعوبة تحقيقه، ومع ذلك نرى بأنه على دولة فلسطين التي أضبحت طرفاً تعاقدياً إلى اتفاقيات جنيف المطالبة بوجود دولة حامية العرض على الدول للقيام بهذا الدور وحتى لو كانت التوقعات برفض إسرائيل كسلطة احتلال لهذا الأمر، حيث يمكن استثمار ذلك في مجال تعزيز مقاطعة وعزل دولة الاحتلال إسرائيل التي تستمر في انتهاك هذه الاتفاقيات، إضافة إلى مطالبة الأطراف السامية لحماية الاتفاقيات في كل زمان ومكان ومن ثم نص المادة3 مشتركة من اتفاقيات جنيف.
ب- اللجنة الدولية للصليب الأحمر:-
أنشئت اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ ستة عقود وتسعى للحفاظ على قدر من الإنسانية في خضم النزاعات المسلحة، ويعتمد تدخلها في حالة النزاعات الدولية على أساس إتفاقيات جينيف، ولعل أهم ما تقوم به اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي هو الحوار مع السلطات لضمان السماح لها بمقابلة الأسري والمعتقلين، وزيارة كل أماكن الاعتقال في الدولة وتقديم المساعدات المادية : إلى الأشخاص ضحايا القلاقل والتوترات الداخلية، و نشر المبادئ الإنسانية للحماية لذا فإن سلطات الصليب الأحمر في غالبها سلطات معنوية مستمدة من القانون الدولي الإنساني. وعلى الرغم من الضمانات والمزايا التي تقدمها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجال حماية حقوق الإنسان، ومراقبة التطبيق الفعلي للقانون الدولي الإنساني واحدة من أكبر الصعوبات التي يتوجب على اللجنة الدولية للصليب الأحمر مواجهتها بصفة مستمرة، إذ يحدث أن تقترف انتهاكات في حضور مندوبيها، إن لم يكونوا هم أنفسهم ضحايا هذه الانتهاكات، الأمر الذي يتطلب تعزيز دور الصليب الأحمر في عمله لحماية المدنيين والعمل على إلىات جديدة لحماية المدنيين.
وقد أضاف البروتوكول الأول 1977 أدوات جديدة للحماية من بينها إعداد عاملين مؤهلين بغية تسهيل تطبيق القانون الدولي الإنساني، كما ينص على تعيين مستشارين قانونيين في القوات المسلحة، وتشكل لجنة دولية لتقصي الحقائق، والمستشارون القانونيين لدى القوات المسلحة، حيث نصت المادة 90 من البروتوكول الأول الملحق بأحكام إتفاقية جنيف الرابعة.
مما سبق نرى ضرورة قيام دولة فلسطين بمطالبة الأطراف السامية بدورها في حماية أحكام اتفاقيات جينيف في جميع الأحوال بموجب نص المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف بما في ذلك ملاحقة ومحاسبة مقترفي الانتهاكات الجسيمة بموجب نصوص المواد من 146-149 من اتفاقية جينيف الرابعة، إضافة إلى المطالبة بإرسال لجنة تقصى حقائق دولية للتحقيق بشأن الانتهاكات الجسيمة بحق الأسرى، وجرائم الاستيطان والمستوطنين، والإعدامات الميدانية باقي الانتهاكات الجسمية في الأراضي الفلسطينية، بحيث يتم توظيف ذلك في محاسبة الاحتلال الإسرائيلي ومنع افلات مقترفي الانتهاكات الجسمية من العقاب.
3-الحماية من خلال المحاسبة عبر القضاء الدولي والوطني: –
إن المسؤولية القانونية الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان أثناء الاحتلال لا تقتصر فقط على عاتق الدولة المعتدية والتي تكون عرضة لإمكانية فرض العقوبات الدولية عليها فضلا عن التزامها بتعويض أضرار هذه الانتهاكات، وإنما تمتد هذه المسؤولية لتشمل أيضا الأشخاص الطبيعيين من قادة عسكريين أو زعماء سياسيين والذين تآمروا وخططوا ونفذوا لارتكاب هذه الانتهاكات. وتسمى هذه المسؤولية بالمسؤولية الشخصية عن الجريمة الدولية.
نظراً إلى إقتراف دولة الاحتلال لجرائم وباتت جرائم ضد الإنسانية، فقد يكون من الأهمية بمكان أن تبادر دولة فلسطين إلى اعتماد استراتيجية وطنية لمحاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي إضافة لتوظيف كافة القرارات التي صدرت عن الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان وتقرير منظمات حقوق الانسان الدولية والمحلية والتي أدانت دولة الاحتلال وبصورة رسمية بارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لترتيب نتائج قانونية، لأنها تحمل دلالات ومؤشرات قانونية واضحة على عدم التزام دولة الاحتلال الإسرائيلي بالمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

في هذا المجال يوجد عدة مداخل لمحاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي يتمثل أبرزها فى التإلى:
إحالة ملفات الانتهاكات الجسمية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والعدوان مباشرة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعدم الاكتفاء بدعم التحقيق الاولي الذي قامت به مدعي عام المحكمة بوثائق وادالة ومذكرات تثبت اقتراف دولة الاحتلال جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية كون هذا المسار قد يطيل أمد التقاضي بشكل كبير بما يساهم في تأخير العدالة، تقديم الملفات سوف يلزم المحكمة عملاً بأحكام ميثاقها، بتشكيل غرفة إبتدائية من ثلاثة قضاة للنظر في الملفات ومن ثم مطالبة المدعي العام بفتح تحقيق جدي .
مطالبة مجلس الأمن وفي حال الفشل مطالبة الجمعية العامة بصيغة متحدون من اجل السلم لإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين ارتكبوا مجازر وجرائم بحق الفلسطينيين فيما حدث ويحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948 حتى عام 2014 ، العام الذي انضمت فيه فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية عملاً بمبدأ عدم تقادم جرائم الحرب، فقد اقترفت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 حتي إلىوم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم إبادة جماعية تمثلت في جرائم القتل خارج اطار القانون وممارسة التعذيب بحق الاسري والاستيطان والحصار والسيطرة على الموارد وتدمير الممتلكات في انتهاك فاضح لاتفاقيات جنيف والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان الامر الذي يستدعي من المجتمع الدولي التحرك لحماية المدنيين كما حدث في البوسنة ورواندا وتيمور الشرقية، فقد فاقت جرائم الاحتلال الإسرائيلي من حيث البشاعة والوحشية ما ارتكبته القوات النازية والفاشية في أوروبا.
تفعيل وإعمال مبدأ الاختصاص العالمي الجنائي لوقف الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب عبر اللجوء إلى المحاكم، بما فيها القضاء الفلسطيني باعتبار فلسطين طرف تعاقدي في أحكام اتفاقيات جنيف لوقف الانتهاكات التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وتقديم المسئولين عنها للعدالة. فاستمرار إفلات الاختلاف الإسرائيلي وقيادته السياسية العسكرية يزيد من غطرسة إسرائيل وهيمنتها، ومن شأنه أن يقوي عزيمتها أكثر من أجل ارتكاب أكبر قدر ممكن من الانتهاكات.
اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في استفادة من سابقة البوسنة التي أقامت دعوى لدى المحكمة عام 1993 ضد صربيا بسبب المجازر المرتكبة حيث صدر بها حكم بالتعويض، فأحكام التعويض المدني سوف تساهم لاحقاً بتجريم دولة الاحتلال واتخاد عقوبات ضدها طبقاً للقانون الدولي الإنساني، وهنا نذكر بأهمية قرار محكمة العدل الدولية بشأن عدم شرعية بناء جدار الفصل العنصري العام 2000، ودعوتها إلى عدم إكماله بل هدمه وتعويض السكان الفلسطينيين المتضررين بسبب ذلك.

مما سبق نري بان هناك اهمية كبيرة للملاحقة الجنائية والمدنية فهي سوف تساهم وبشكل جدي في ردع تفكير وممارسات قادة الاحتلال عن انتهاك أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، اضافة إلى ت

زر الذهاب إلى الأعلى