رغم قناعة الكثيرين قبل اسابيع بأن اسرائيل لن تذهب الى حرب برية في لبنان، وانها ستحافظ على قواعد الاشتباك التي بدأت بعد السابع من اكتوبر، الا ان اسرائيل كسرت قواعد الاشتباك وذهبت بالفعل الى حرب برية في لبنان خلال الساعات الماضية.
وانطلقت الى مرحلة جديدة في هذه الحرب التي بات اكثر السياسيين والاستراتيجيين غير قادرين على قراءة افاقها. إذ ان اسرائيل بعد الضربات التي وجهتها الى حزب الله، بعمليات الاغتيال التي طالت تقريبا قادة الصف الاول والثاني في حزب الله،وعلى رأسهم الامين العام حسن نصر الله، وجدت الفرصة مواتية لكي تستكمل استراتجيتها التي تقوم على انهاء الخطر القادم من الجنوب، وفرض واقع جديد على حزب الله وابعاده الى ما وراء نهر الليطاني، واعادة سكان الشمال الى مستوطناتهم، والاهم من كل ذلك فصل جبهة الاسناد اللبنانية عن جبهة غزة المشتعلة.
لكن هل حقا تستطيع اسرائيل ان تحقق كل ما سبق من اهداف استراتيجية؟ بالنسبة لاسرائيل التي تتفوق في الجو يبدو الامر ممكنا اما واقعيا فان صاحب كلمة الفصل في الحرب البرية هو المقاتل على الارض الذي سيواجه اثناء المعركة قوة النيران بصدره.
المأمول بالنسبة لاسرائيل ان يستطيع جنودها التحرك في الجنوب، وسحق قوات حزب الله خلال شهرين على الاكثر. وفرض الرؤية الاسرائيلية من خلال تسوية دولية تشارك فيها الولايات المتحدة والدول الغربية وبعض الدول العربية، التي بات حزب الله بوصفه ذراعا لايران مزعجا لها.
الا أن المتوقع، ان قدرة حزب الله النارية والقتالية مازالت موجودة لاننا نتحدث عن اكثر من مئة الف مقاتل.
هم اصحاب الارض ويعرفون تفاصيلها وخباياها ويملكون اسرار الجغرافيا في الجنوب.
هذا بالاضافة الى سكان الجنوب اللبناني الذين قد يتحولون الى قنابل موقوتة في وجه الغزو الاسرائيلي، الذي غادرهم قبل اربعة وعشرين عاما وهم غير مستعدين اليوم ان يعودوا اليه.
ايضا هؤلاء يشكلون البيئة الحاضنة للمقاومين الذين سيقفون صدا وحائلا بين الجيش الاسرائيلي وتحقيق اهدافه. وبما أن اسرائيل تتأمل انهاء المهام العسكرية البرية خلال شهرين، لذلك لم يعلن الجيش الاسرائيلي انه يسعى الى حرب مفتوحة من خلال تصريحات قادته ان العملية ستكون محدودة.
لكن المتوقع في حال ذهبت الامور الى حرب عصابات واستطاع مقاتلوا حزب الله ان يتحولوا الى مجموعات مقاتلة تتحرك في اوقات مختلفة وتستفيد من البيئة الحاضنة ومن الارض المتعرجة والانفاق الكثيرة، ان يقع مقاتلوا الجيش الاسرائيلي في مستنقع عميق لن يستطيعوا الخروج منه لسنوات.
وبدلا من الانتصار السريع والحاسم ان تتحول الحرب الى حرب استنزاف يضطر في ختامها الجيش الاسرائيلي ان يغادر الجنوب اللبناني دون سابق انذار، تماما كما حدث في العام ٢٠٠٠ عندما غادر الجيش الاسرائيلي جنوب لبنان، بعد ١٨ عاما من الاحتلال للجنوب اللبناني.
لذلك، من الضروري هنا ان نضع قراءة صحيحة لما تريده اسرائيل وهو المأمول بالنسبة لها وبين المتوقع، وهو الذي قد يفرضه الميدان على اسرائيل. الجغرافيا وما فوق الجغرافيا كلهم سيلعبون دورا في تحديد اذا ما كانت اسرائيل قادرة على تحقيق اهدافها ام لا .