أقلام

الجزيرة.. وتسييس المأساة في قطاع غزة

أمينة خليفة

كانت حادثة الطبيب الفلسطيني أحد مصابي مجزرة النصيرات، حديث مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة، خاصة عندما وجه نقدا لاذعا لقيادات حركة حماس قائلا: “انتم اعتدتم على الدم، والله انهم لا يفهمون في الدين ولا يفقهون في الفقه، نحن لسنا قدريين ولا سلبيين ولسنا مثبطين، نحن نؤمن بالله ولكن إيقاف هذا النزيف في غزة واجب”.

كما التقط منه أخر طرف الحديث قائلا: “نحن صامدين صحيح ولكن قيادتنا- في إشارة لحركة حماس- ألفت الدماء وألفت هذا الحال الذي نحن فيه، حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم، نحن خصماؤهم يوم القيامة”.. ذلك الفيديو الذي جسد جزءا من مجزرة النصيرات التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في رفح، انتشر بشكل واسع على جميع المنصات الإعلامية كما هو إلا أن قناة الجزيرة القطرية اجتزئت بشكل متعمد شكوى المواطن من حركة حماس وما آلت إليه أحداث” طوفان الأقصى”، رغم ما تسببت فيه من مذابح يومية للشعب الغزاوي، إضافة إلى التهجير والتخريب وتحويل غزة إلى مكان غير صالح للحياة حتى أصبحت “ركام”.

ويبدو أن قناة الجزيرة التي تجيش عشرات المراسلين الصحفيين والمصورين في قطاع غزة والضفة الغربية وإسرائيل، تركز في تغطيتها الإعلامية على سياسية الإنحياز والدعم المطلق لحركة حماس على حساب الشعب الغزاوي الذي يباد يوميا.. جميعنا نعرف أن حماس لها ما لها وعليها ما عليها، لكن تظهر تغطية قناة الجزيرة دعم قيادات الحركة الهاربين من غزة ونقل تصريحاتهم اللحظية بشأن الحرب على الرغم من بعدهم عن مشهد الموت المتكرر في القطاع.

تلك التغطية تشير إلى دعم مطلق لقناة الجزيرة لحركة حماس ضد الشرعية الوطنية وهذا بالتأكيد يعزل القناة عن مهنيتها وموضوعياتها ويحولها إلى بوق سياسي يؤثر سلبا على الوحدة الفلسطينية!.

إن هذا الخط الإعلامي الذي تتبعه قناة الجزيرة في تغطية الحرب على غزة يلحق ضررا كبيرا في المهنية الصحفية ويؤسس لمدرسة تحويل وسائل الإعلامية إلى أبواق وأجندات سياسية بدلا من أن تكون أدوات قومية، فهي أصبحت وسيلة فئوية تنتصر لحركة لا تريد إلا تحقيق مكاسب سياسية على حساب دم الشعب الفلسطيني.

وبمقارنة تغطية قناة الجزيرة للحرب الإسرائيلية على غزة مع نفس التغطية للحرب الروسية على أوكرانيا، فإنها اعتمدت في الميدان الأوكراني سياسة نقل الأخبار دون تجزئة وحديث الأوكرانيين عن مدى الضرر الذي لحق بهم جراء الحرب، فهنا لم تجتزأ أحاديث أو تصريحات، كما لم تلجأ لسياسة “القص” أو “المونتاج” لوجهات النظر المعارضة لفصيل سياسي على آخر، وهذا بالتأكيد يعكس الموضوعية في التغطية الإعلامية للحرب على أوكرانيا والتي تفتقدها القناة في تغطيتها للحرب على غزة.

تغطية الحرب في قطاع غزة تكشف بوضوح كيف تضرب قناة الجزيرة بأخلاقيات المهنة عرض الحائط وترفض الإشارة الى الرأي الآخر الذي ينتقذ ما آلت إليه الأوضاع بسبب عملية طوفان الأقصى و التي جلبت معها سيناريوهات خطيرة كالتهجير وعودة الإحتلال، وتسببت في استشهاد أكثر من 35 ألفا وأغلبهم من الأطفال وإصابة ما يربو عن 79 ألفا، مع تدمير هائل في البنية التحتية وانهيار تام للمنظومة الصحية بفعل تحول القطاع الى ساحة حرب، ومع ذلك ترى الجزيرة أن لا مسؤولية عن كل ما يحدث سوى لنتياهو ومن معه .

وبالتركيز على التغطية الإعلامية لأحداث الربيع العربي، فاتسمت تغطية قناة الجزيرة انذاك بالتحيز حتى اتهمها بعض المشاهدين بدعمها المطلق لجماعة الإخوان على حساب المعارضة في مصر وتونس، وساهم هذا كثيرا في حجبها في بعض الدول العربية بسبب سياسة الانحياز، وتأثيرها القوي في الجماهير الغاضبة حتى اتهمت بأن السياسية التحريرية للقناة تسير بالتوازي مع السياسات الخارجية القطرية، وكأنها وسيلة إعلامية لخدمة الموالين لدولة قطر وليس لخدمة مصلحة الشعوب العربية!.
أثناء تلك الفترة وضع الخط التحريري لقناة الجزيرة تحت تصرف حركة الإخوان وساهم في الإطاحة بحكام عرب وأفساح المجال لقيادات الإخوان للسلطة رغم الرفض الشعبي لهم، كما ساهمت القناة في فرض حصار عربي أو مقاطعة على دولة قطر من مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وقررت هذه الدول حظر القناة أو تقييد انتشارها، وهذا بالتأكيد يشير إلى أن سياسة الانحياز الإعلامي قد تؤدي إلى كوارث لا يدفع ثمنها سوى الشعوب.

ربما على قناة الجزيرة الآن إعادة النظر في تغطية أحداث حرب غزة ونقل الصورة كاملة دون تجزئة وإعلاء مصلحة الشعب الفلسطيني الذي مازال يدفع ثمن فاتورة الفشل السياسي لحركة حماس، وعلى القناة أيضا ألا تضيع رصيدها الإعلامي الممتد على مدار سنوات طويلة من أجل الدفاع عن فصيل سياسي قدم الشعب قربانا لإسرائيل، وعليها أن تنأي بنفسها بعيدا عن التدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية لمصلحة طرف على حساب أخر، وأن تسلط الضوء على مصلحة الشعب الفلسطيني فقط وقضيته الوطنية ووحدته الداخلية.

وأخيرا، بعد تغير الأحداث وتفكير حركة حماس في مغادرة دولة قطر بعد إصرار قيادات الحركة على رفض المبادرة الأخيرة للهدنة والتي دخلت فيها الدوحة كوسيط مباشر.. فهل سيكون هذا سببا في تغيير قناة “الجزيرة” لسياستها التحريرية في تغطية حرب غزة، و تنقل الصورة كاملة كما يراها الشعب الفلسطيني؟!

زر الذهاب إلى الأعلى