علوم وتكنولوجيا

التنبؤ بوقوع الزلازل .. علم أم دجل ؟ عالم أمريكي يجيب

حوار مع العالم لمصادر صحفية

وكالات – المواطن

 

التنبؤ بوقوع الزلازل

عاد من جديد، جدل القدرة على التنبؤ بالزلازل مع الزلزال الأخير الذي ضرب المغرب،

حيث وجده عالم الزلازل الهولندي “فرانك هوغربيتس” فرصة للعودة للمشهد من جديد،

بادعاء أنه توقع حدوث الزلزال قبل أيام.

والمفارقة، أنه سبق هذا الادعاء، دراسة بحثية فرنسية زعم صاحباها أن بإمكانهما اكتشاف إشارة تحدث قبل وقوع الزلازل بساعتين،

وهي الدراسة التي حظيت باهتمام علمي واسع، قاد في النهاية إلى تقويض النتائج التي توصل لها الباحثان.

التنبؤ بالزلازل.. كيف تصبح مثل الهولندي فرانك هوغربتس؟

ورغم الرفض العلمي الواسع لهذه الدراسة، فإن نشرها علميا في دورية تحظى بسمعة طيبة وهي دورية “ساينس”،

فتح باب الأمل، حول إمكانية التنبؤ بحدوث الزلازل بطريقة تحترم العلم، وليست أقرب إلى “الدجل”،

كما يصف العلماء دائما ما يقوله العالم الهولندي.

فما هو التقييم العلمي لهذه الدراسة، ولماذا لا تحظى مثل هذه الجهود العلمية باهتمام العامة،

مثل ما يحظى به الكلام الذي يردده العالم الهولندي..

هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها العالم الأمريكي مارتن ماي، رئيس تحرير نشرة جمعية رصد الزلازل الأمريكية، والأستاذ بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بالسعودية (كاوست) .

مع كل زلزال يملأ عالم الزلازل الهولندي “فرانك هوغريبيتس” الدنيا ضجيجا بادعائه أنه تنبأ بحدوث الزلزال..

فما رأيك في المنهج الذي يدعي هذا الرجل استخدامه للتنبؤ بالزلازل؟

ادعاء “هوغريبيتس” أنه يستطيع التنبؤ بالزلازل من خلال محاذاة النجوم، هذا هراء كامل، ويجب رفضه،

ويدعي آخرون غير هوغريبيتس أنه يمكن التنبؤ بالزلازل من خلال أنماط السحب،

أو حركات الحيوانات، أو غير ذلك، و كل هذه أدلة غير مادية وتفشل في أي اختبار إحصائي صارم.

رغم أنه قد بح صوتكم في نقد ما تسميه “هراء”، إلا أن مثل هذا الكلام يحظى بالانتشار والتصديق، مقارنة بالكلام العلمي الذي تردده أنت وأقرانك من علماء الزلازل.. فما تفسيرك لذلك؟

البشر بطبيعتهم يحبون الإجابات البسيطة والكلمات القوية، ونفس الشيء يحدث في السياسة،

لذلك، فإن هؤلاء الأشخاص مثل” هوغريبيتس” يحظون بالاهتمام ولهم الكثير من المتابعين،

فالأمر يبدو كما لو أن الرئيس الأمريكي السابق ترامب يقول إن حقن الدم ببعض حمض الكلور يساعد في مكافحة كوفيد!

إذا كنت وأقرانك من العلماء ترفضون منهج عالم الزلازل الهولندي في التنبؤ بالزلازل، فهل يوجد منهج علمي لذلك؟

من الجيد طرحك لهذا السؤال، لأننا نحتاج إلى التمييز بوضوح بين التنبؤ بالزلازل،

والقدرة على التنبؤ بالزلزال، وتوقع الزلزال، والزلازل التمهيدية قصيرة المدى، والإنذار المبكر بالزلزال، وتقييم مخاطر الزلازل.

زلزال المغرب وقع على طول الحدود غير المحددة جيدًا بين صفيحة النوبة وصفيحة أوراسيا

يبدو هناك تشابه لفظي بين هذه المصطلحات؟

نعم هناك تشابه، لذلك من المهم معرفة الفارق بينها، حتى نستطيع معرفة ما هو المتاح حتى الآن،

فالتنبؤ بالزلزال، يقتضي أن تخبر مقدما بالموقع الدقيق للزلزال (خط العرض وخط الطول والعمق)، والوقت (التاريخ والساعة) وحجم الزلزال، وهذا مستحيل حتى الآن.

وتشير “القدرة على التنبؤ بالزلازل”، إلى البحث حول ما إذا كان من الممكن التنبؤ بالزلازل أم لا،

ونوع البيانات والنماذج (أي الفيزياء) التي تستخدم لذلك، وتحليل البيانات والمحاكاة اللازمة،

أما “توقع الزلازل”، فيعني حساب الاحتمالية الإحصائية لحدوث الزلازل في منطقة أوسع على مدى فترة زمنية أطول (أسابيع إلى سنوات)؛

وعلى سبيل المثال يمكن أن يكون، احتمال وقوع زلزال بقوة 6.7 م في منطقة لوس أنجلوس الكبرى خلال الثلاثين عاما القادمة هو 65%.

أما الانزلاق التمهيدي قصير المدى للزلزال، فهو الكشف عن إشارة مراقبة ذات سعة صغيرة جدا للحركة الأرضية التي قد تحدث قبل حدوث الصدمة الرئيسية،

ولقد تم التكهن بهذا الأمر، وشوهد في بعض الأحيان، ويرجع ذلك إلى العمليات الفيزيائية الخاصة التي تحدث في القشرة الأرضية، حيث سيبدأ الزلزال في النهاية.

ويشير الإنذار المبكر بالزلزال إلى نظام يسجل الموجات الزلزالية بعد وقوع الزلزال،

ويكون قادرا على إصدار تحذير للناس والبنى التحتية قبل حدوث الهزات الكبيرة،

يمكن تحقيق ذلك، ويتم تنفيذه في اليابان وتركيا وكاليفورنيا، بسبب فيزياء الموجات الزلزالية،

فالموجات ذات السعة الكبيرة والتي يحتمل أن تكون قوية تنتقل بشكل أبطأ من الموجات ذات السعة المنخفضة.

وأخيرا، يأتي تقييم مخاطر الزلازل، وهو طريقة لتقدير الهزات المتوقعة بسبب الزلازل المستقبلية في منطقة ما أو في موقع محل الاهتمام،

وهذه هي الممارسة الهندسية القياسية وتستخدم في قوانين البناء ومعايير التصميم للمباني الجديدة.

البناء المخالف لاشتراطات الأمان ضاعف من تأثير زلزال المغرب

وتحت أي من هذه المصطلحات تندرج الدراسة الفرنسية ذائعة الصيت التي نشرت مؤخرا، ويدعي أصحابها اكتشاف إشارة تحدث قبل وقوع الزلازل بساعتين؟

تقع الدراسة الفرنسية ضمن فئة “التوقع بالزلازل”، ويوجد في مجتمعنا العديد من تقنيات التوقع بالزلازل،

فهناك نماذج إحصائية معقدة نوعا ما تستخدم الزلازل السابقة في منطقة معينة (على سبيل المثال جنوب كاليفورنيا) للتنبؤ بإحصائيات حدوث الزلازل في الأيام والأسابيع والأشهر القليلة المقبلة،

إنه مثل توقعات الطقس، ولكن مع بيانات أقل بكثير، إلا أنه فيزياء أكثر تعقيدا وأقل شهرة.

ويكمن جمال الدراسة الفرنسية في أنها تطور طريقة جديدة للتعلم الآلي، وهي من حيث المبدأ أبسط وأسرع من الناحية الحسابية من الإحصائيات القياسية،

وتسعى لاكتشاف إشارة خافتة جدا في منطقة المصدر قبل مرحلة تمزق الزلزال “الديناميكي” التي تخلق موجات زلزالية،

ومع ذلك، فإن طريقتهم تعمل فقط لمنطقة واحدة وحاليا لمدة أسبوعين،

كما أن طريقة معالجة البيانات أدت إلى بعض الانتقادات من قبل الخبراء لهذه الدراسة، ومع ذلك تظل في رأيي محاولة جيدة.

إذن في النهاية نستطيع القول إن التنبؤ بحدوث الزلازل لا يزال مستحيلا؟

بالقطع، فالمتاح هو التوقع بالزلازل، كما يحدث في كاليفورنيا، وهناك محاولات لتحسين عملية التوقع، كما سعت الدراسة الفرنسية.

زر الذهاب إلى الأعلى