الاقتصاد والأمن أولاً …..
بقلم: تمارا حداد.
زيارات مكوكية للعديد من رؤساء الدول لمنطقة الشرق الأوسط وأبرزها زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى السعودية وقطر والإمارات ومن يُتابع تلك الزيارات يرى أن الملف الأساسي للزيارات لها علاقة بالبُعد الاقتصادي بعد فشل مُخطط الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط التي برهنت أن الحروب والصراعات لم تأتي على العديد من الدول إلا بانهيار الوضع الاقتصادي وانعكس ذلك على انهيار العملة الوطنية وانتشار الفقر والبطالة وارتفاع التضخم مما أدى إلى تدني رفاهية الشعوب، لكن المهم من تلك الزيارات وهي زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وكما انه دعا الاخير رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو لزيارة تركيا.
هذه الدعوات وبالتحديد دعوة الرئيس التركي لرئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو والذي لم يُلبي الدعوة نظراً لوضعه الصحي واستمرار التظاهرات الداخلية واشتداد الأزمة في الشارع الاسرائيلي لكن تأتي دعوات الرئيس التركي لنتنياهو في صلب استكمال الشراكات الاقتصادية ليس فقط على مستوى دول الخليج وانما لاستكمال البُعد الاقتصادي مع دولة اسرائيل كونها متواجدة فعلياً في المنطقة وتحتل موقعاً جغرافياً استراتيجياً في المنطقة قُبالة البحر الأبيض المتوسط ولا يكتمل تحقيق الفائدة الاقتصادية وحل مشاكل تركيا من انهيار الليرة التركية ورفع الاقتصاد التركي إلا بشراكة اسرائيل.
لكن الأهم لماذا دعا الرئيس التركي نظيره الفلسطيني؟
للوهلة الأولى يرى البعض أن الأمر له علاقة بالمصالحة الوطنية الفلسطينية ولكن من يُحلل صور اللقاء الذي جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس واسماعيل هنية والرئيس التركي يرى أن الأمر له علاقة في كيفية استكمال مشروع أردوغان في المنطقة دون معوقات وبالتحديد ان اردوغان يعلم تماماً ان مفتاح السلام والاستقرار في المنطقة هو حل القضية الفلسطينية واستكمال مشروع “حل الدولتين” ولكن ليس بيده حيلة امام واقع حكومة يمينية مُتطرفة لا تؤمن بالسلام ولا تؤمن بالوجود الفلسطيني وهمها الوحيد استكمال المشروع الديني اليهودي في المنطقة من خلال استكمال سن القوانين التي تعمل على تغيير هوية الدولة الاسرائيلية من دولة اسرائيل الديمقراطية الى دولة اسرائيل الدينية اليهودية “دولة الشريعة” وكما ان الوحيد الذي يستطيع حل القضية الفلسطينية هو الولايات المتحدة الاميركية ولكنها غير معنية امام هيكلة الشرق الاوسط الجديد وانشاء المشاريع الدينية في المنطقة من مشروع يهودي وشيعي وسني واستكمال صفقة تُشارك فيها مصر والسعودية وتركيا والامارات في كيفية قيادة المنطقة.
لكن دعوة الرئيس التركي للرئيس الفلسطيني وبوجود رئيس حركة حماس اسماعيل هنية لاستكمال التعاون التركي _الاسرائيلي ودعوتهما كرفع العتب وجزء من العلاقات العامة وغطاء لما سيكون في القادم القريب من تغيرات هيكلية في المنطقة اساسها الواقع الاقتصادي لكن دون وضوح المشهد بالنسبة للقضية الفلسطينية ولكنها ستكون في صلب المشروع الاقتصادي من خلال تقديم مساعدات معيشية اقتصادية امنية وغياب الواقع السياسي الوطني واحراز دولة فلسطينية مستقلة.
ان منطقة الشرق الاوسط امام تغير اهتمامي وأولوي وهو البُعد الاقتصادي وملف آلية جلب الاستثمارات وملف التمويل وهذا الامر بحاجة لاستقرار سياسي وتهدئة بؤر النزاع ولو كانت لفترة مؤقتة، اغلب دول المنطقة باتوا يفكرون في مشاريع التنمية والطاقة ناهيك عن البُعد العسكري والامني والبُعد الغذائي بالتحديد بعد وقف اتفاقية الحبوب من قبل روسيا الامر الذي سيؤدي الى تعزيز المجاعات في الدول النامية المُعتمدة على الحبوب والقمح من روسيا واوكرانيا لذا باتت روسيا تبحث عن طرق بديلة لايصال تلك الحبوب بطريقة العلاقات الثنائية عن طريق تركيا وقُربها من البحر الاسود وكونها دولة محاددة لدول الشرق الاوسط فعلاقة الدول الخليج باتت من منطلق ايصال الحبوب والزيوت والاسمدة ناهيك عن مواضيع اخرى ستلعب تركيا بشكل قوي فيها في المنطقة.
امام تلك العلاقات السياسية الكُل يستخدم القضية الفلسطينية كغطاء لتمرير مشاريعه المختلفة ولكن المهم الجانب الفلسطيني ان يتقدم خطوة الى الامام من اجل استثمار التغيرات المستقبلية لصالحه ومعرفة خيوط اللعبة الاقليمية القادمة في منطقة الشرق الاوسط، كما ان اجتماع الامناء العامين في القاهرة فرصة اخيرة لاعادة التفكير الاستراتيجي لما يحدث في المنطقة لتثبيت رؤيتهم وفرض واقع سياسي قبل الواقع الاقتصادي والامني وهذا الامر بحاجة فعلياً لحل القضايا الخلافية بين الفصائل جميعها وابرزها قضية المعتقلين السياسيين من كلا السلطتين “غزة والضفة” رغم ان المعطيات والمؤشرات تُظهر دلالات غير مُبشرة عن لقاء القاهرة القادم بسبب عدم القدرة حتى اللحظة على تشكيل “تحالف تشاركي” وعلى ما يبدو ان الاقرب هو استمرار ادارة الانقسام ما يعني استكمال المشروع اليهودي الديني دون عرقلة او اعاقة من قبل الجانب الفلسطيني رغم تطور المقاومة في الضفة الا انها بحاجة لالتفاف سياسي اضافة للحاضنة الشعبية، كما ان مُديري الانقسام لا يستطيعون الاستغناء عن مصالحهم الشخصية مُقابل فتح حوار وطني وإيجاد آلية تعمل على تغيير المشهد الفلسطيني من حالة الضبابية القائمة أمام وضوح رؤية المشهد الاسرائيلي الديني على حساب الدول الوطنية.