الأونروا ليست مجرد مؤسسة
الكاتب: رامي مهداوي
في خضم الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة وطولكرم وجنين، يأتي استهداف وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كجزء من نهجٍ أوسع يسعى إلى تقويض أحد آخر الخطوط الدفاعية عن اللاجئين الفلسطينيين. هذا الاستهداف ليس وليد اللحظة، بل هو جزء من استراتيجية طويلة تهدف إلى إعادة تشكيل القضية الفلسطينية من جذورها، سياسيًا وإنسانيًا.
منذ تأسيسها عام 1949، كانت الأونروا حجر الأساس في توفير المساعدات الإنسانية الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى مخيمات اللجوء في الأردن ولبنان وسورية. تشمل خدماتها الصحة والتعليم والإغاثة الاجتماعية، ما جعلها شريان حياة رئيسياً للمجتمعات الأكثر ضعفًا. في ظل الحروب والحصار والتهجير المستمر، كانت الأونروا الملجأ الوحيد لملايين الفلسطينيين، حيث تقوم بتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة، خاصة في قطاع غزة، الذي يعاني من ظروف إنسانية كارثية.
لكن هذا الدور جعلها هدفًا للضغوط السياسية، حيث ينظر إليها البعض على أنها تُكرّس قضية اللاجئين الفلسطينيين بدلاً من السعي إلى إنهائها، وفقًا لرؤية بعض الأطراف التي تسعى إلى تصفية حقوق الفلسطينيين في العودة والتعويض.
يأتي استهداف الأونروا في سياقٍ سياسي أوسع تسعى فيه بعض الأطراف إلى تفكيك قضية اللاجئين، والتي تعد واحدة من أعمدة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. من خلال قطع التمويل عن الوكالة، تسعى بعض الدول إلى دفع اللاجئين نحو حلول بديلة، مثل توطينهم في الدول المضيفة أو نقل مسؤولية دعمهم إلى وكالات أممية أخرى، وهو ما يضعف الأساس القانوني والسياسي لحق العودة الذي أقرّته الأمم المتحدة في القرار 194.
في السنوات الأخيرة، تصاعدت الهجمات السياسية على الأونروا، بدءًا من قرار الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بقطع تمويلها بالكامل، وصولًا إلى الضغوط الإسرائيلية المتواصلة لإنهاء عملها أو تقليصه. تُبرر هذه التحركات بحججٍ تتراوح بين مزاعم الفساد، وصولًا إلى اتهامات بأن مناهج الأونروا التعليمية تعزز «العداء لإسرائيل». لكن في جوهرها، تبقى هذه الضغوط جزءًا من محاولات إعادة تشكيل المشهد السياسي الفلسطيني بما يخدم أجندات معينة.
على المستوى الإنساني، فإن أي استهداف للأونروا يهدد بحرمان ملايين الفلسطينيين من الخدمات الأساسية، خاصة في غزة، حيث يعتمد أكثر من 80% من السكان على المساعدات الدولية. تقليص دعم الوكالة يعني نقصًا في الغذاء، تدهورًا في الرعاية الصحية، وحرمان عشرات الآلاف من الأطفال من التعليم، ما يخلق جيلاً جديدًا يواجه مستقبلًا أكثر قتامة.
علاوة على ذلك، فإن تراجع دور الأونروا يدفع باتجاه أزمات إنسانية أشد خطورة، قد تؤدي إلى موجات جديدة من النزوح والهجرة القسرية، وهو ما قد يشكل تحديًا إقليميًا ودوليًا كبيرًا.
على الرغم من الضغوط، لا يزال هناك دعم دولي للوكالة، حيث تتفهم العديد من الدول أن استهداف الأونروا لا يعني فقط معاناة ملايين اللاجئين، بل يهدد الاستقرار الإقليمي برمته. ومع ذلك، فإن استمرار الأزمات السياسية والمالية يجعل مستقبل الوكالة في مهب الريح، خاصة مع عدم وجود بدائل قادرة على سد الفجوة التي ستخلفها.
استهداف الأونروا ليس مجرد قضية تمويل أو إدارة، بل هو جزء من معركة أوسع تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية. الأونروا ليست مجرد منظمة إغاثية، بل هي رمز للحق الفلسطيني في الاعتراف بوجوده ومعاناته المستمرة. إن أي محاولة لإنهائها أو تقليص دورها تعني عمليًا سحب الغطاء عن واحدة من أكثر الفئات تهميشًا في العالم، ودفعها نحو مستقبل أكثر غموضًا ومأساوية.
الأونروا ليست مجرد مؤسسة؛ إنها الشاهد الحي على نكبة مستمرة، والمعركة من أجل بقائها هي جزء من معركة الوجود الفلسطيني ذاته.