علوم وتكنولوجيا

اكتشاف اليورانيوم… من صدفة علميّة إلى تهديد إنسانيّ

وكالات- المواطن

يعدّ اكتشاف اليورانيوم، وهو عنصر مشعّ، رحلة رائعة تمتدّ لقرون وتلخّص الطبيعة المزدوجة للتقدّم العلميّ، والتي بدأت كمجرّد فضول في القرن الثامن عشر، وتطوّرت لتصبح أداة علميّة قيّمة في القرن العشرين، وتحوّلت في النهاية إلى تهديد حقيقيّ للإنسانيّة.

وتبدأ قصّة اليورانيوم باكتشافه من قبل الكيميائيّ الألمانيّ، مارتن هاينريش كلابروث، في عام 1789، حيث قام كلابروث بعزل اليورانيوم من البتشبلند، وهو معدن كان معروفًا منذ قرون، وقد تمّ استخدامه كصبغة في الفنّ القديم، وكان اكتشاف اليورانيوم بمثابة فجر حقبة جديدة في الكيمياء وكان بمثابة شهادة على قوّة الاستكشاف العلميّ.

وأصبحت الأهمّيّة الحقيقيّة لليورانيوم واضحة مع اكتشاف النشاط الإشعاعيّ، ففي عام 1896، اكتشف هنري بيكريل أنّ اليورانيوم ينبعث منه أشعّة غير مرئيّة يمكن أن تكشف لوحات فوتوغرافيّة، وفتح هذا الاكتشاف الباب أمام عالم جديد من الفيزياء والكيمياء، وقد عزّز الزوجان كوري وماري وبيير هذا العمل من خلال عزل الراديوم والبولونيوم من خامات اليورانيوم، وقد أكسبهم بحثهم الرائد جائزة نوبل في الفيزياء عام 1903 ووضع الأساس لدراسة النشاط الإشعاعيّ.

وشهد أوائل القرن العشرين طفرة في الأبحاث حول اليورانيوم وخصائصه المشعّة، وقد أضافت أعمال إرنست رذرفورد في التركيب الذرّيّ، بما في ذلك اكتشاف النواة، إلى فهم سلوك اليورانيوم، حيث لعب اكتشاف نظائر اليورانيوم، وخاصّة اليورانيوم 235 واليورانيوم 238، دورًا محوريًّا في تطوّره اللاحق، وسرعان ما تمّ الاعتراف بأنّ اليورانيوم 235 كان مادّة انشطاريّة، قادرة على الخضوع للانشطار النوويّ، وهي عمليّة تنقسم فيها النواة الذرّيّة إلى نواتين أصغر، ممّا يؤدّي إلى إطلاق كمّيّة هائلة من الطاقة، وكان هذا الإدراك بمثابة ولادة الفيزياء النوويّة، وهو المجال الّذي يحمل وعدًا هائلًا لكلّ من التقدّم العلميّ والتطبيقات العسكريّة.

وكانت أهمّ نقطة تحوّل في تاريخ اليورانيوم هي دوره في تطوير القنبلة الذرّيّة خلال الحرب العالميّة الثانية، حيث كان مشروع مانهاتن، الّذي بدأ في عام 1939، برنامجًا أمريكيًّا سرّيًّا للغاية يهدف إلى تطوير الأسلحة النوويّة، وكان اليورانيوم عنصرًا رئيسيًّا في هذا المسعى، تحت قيادة علماء مثل روبرت أوبنهايمر، حيث نجح مشروع مانهاتن في تسخير الطاقة الهائلة المنبعثة من انشطار اليورانيوم، ممّا أدّى إلى إنشاء أوّل قنبلة ذرّيّة، “الولد الصغير”، والّتي أسقطت على هيروشيما في عام 1945، وخلّفت دمارًا هائلًا ما زال آثاره حتّى يومنا هذا، وكان ذلك بمثابة بداية العصر النوويّ والتهديد الحقيقيّ الّذي يشكّله اليورانيوم.

ولم تضع نهاية الحرب العالميّة الثانية نهاية للتهديد النوويّ، وبدلًا من ذلك، كان ذلك إيذانًا بعصر الحرب الباردة، حيث انخرطت الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفييتيّ في سباق تسلّح متوتّر، حيث كدّس كلّ منهما ترسانات ضخمة من الأسلحة النوويّة، والّتي كان العديد منها يعمل باليورانيوم، وعلى إثر ذلكن أصبح انتشار الأسلحة النوويّة مصدر قلق عالميّ حيث سعت العديد من الدول الأخرى للحصول على هذه القدرة التدميريّة، وكانت معاهدة منع انتشار الأسلحة النوويّة لعام 1968 بمثابة محاولة للحدّ من انتشار الأسلحة النوويّة، لكنّها لم تفعل الكثير لإزالة المخزونات الحاليّة.

واستمرّت الطبيعة المزدوجة لليورانيوم في التطوّر حيث وجدت تطبيقات سلميّة في توليد الطاقة النوويّة، كما أصبحت المفاعلات النوويّة، الّتي تستخدم تفاعلات الانشطار النوويّ الخاضعة للرقابة لإنتاج الكهرباء، مصدرًا واعدًا للطاقة النظيفة في منتصف القرن العشرين، حيث استثمرت دول مثل فرنسا والولايات المتّحدة بكثافة في محطّات الطاقة النوويّة لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، ومع ذلك، فإنّ هذا التطبيق السلميّ لليورانيوم جاء أيضًا مصحوبًا بمجموعة من المخاوف الخاصّة به، مثل خطر وقوع حوادث نوويّة، والتحدّي المتمثّل في التخلّص من النفايات النوويّة، واحتمال تحويل الموادّ النوويّة لإنتاج الأسلحة، وفي القرن الحادي والعشرين، ظهر شبح الإرهاب النوويّ كتهديد حقيقيّ، وكان انتشار الموادّ النوويّة واحتمال حصول الجهات الفاعلة غير التابعة لدول بعينها على هذه الموادّ سببًا في دقّ أجراس الإنذار في مختلف أنحاء العالم، إذ أصبح الخوف من حصول منظّمات إرهابيّة على ما يكفي من اليورانيوم أو البلوتونيوم لصنع جهاز نوويّ خام مصدر قلق أمنيّ كبير.

وتكثّفت الجهود لتأمين وتتبّع الموادّ النوويّة، مع مبادرات مثل مبادرة الحدّ من التهديد العالميّ (GTRI) الّتي تهدف إلى الحدّ من خطر الإرهاب النوويّ من خلال تأمين وإزالة الموادّ النوويّة المعرّضة للخطر، وفي حين وعدت الطاقة النوويّة بالطاقة النظيفة، إلّا أنّها جلبت معها أيضًا خطر وقوع حوادث كارثيّة، حيث كانت كارثة تشيرنوبيل في عام 1986 وكارثة فوكوشيما دايتشي النوويّة في عام 2011 بمثابة تذكير صارخ بالعواقب المحتملة للحوادث النوويّة، وأظهرت هذه الحوادث الحاجّة إلى بروتوكولات سلامة صارمة والتأهّب الشامل للكوارث.

واستمرّت التوتّرات الجيوسيّاسيّة بين الدول المسلّحة نوويًّا، مثل الولايات المتّحدة وروسيا والصين وكوريا الشماليّة، في إثارة المخاوف من نشوب صراع نوويّ، ولا يزال توازن الردع الهشّ الّذي تمّ الحفاظ عليه خلال الحرب الباردة معلّقًا في الميزان، مع احتمال أن يؤدّي سوء الفهم أو سوء التقدير إلى تبادل نوويّ كارثيّ، كما كانت الجهود الدبلوماسيّة واتّفاقيّات الحدّ من الأسلحة، مثل معاهدة ستارت الجديدة، تهدف إلى خفض الترسانات النوويّة وتعزيز الشفّافيّة، ولكنّ هذه الاتّفاقيّات تواجه تحدّيات في مشهد عالميّ متزايد التعقيد.

زر الذهاب إلى الأعلى