أقلام

اصطياد الإنترنت على شواطئ غزة!

غزة – المواطن

بقلم :توفيق ابو شومر

عندما كنت في خيمة اللجوء القهري في غزة ، كان ضرورياً أن أراقب السماء في بداية خيوط الفجر الأولى، فإذا كانت هناك غيوم ستحجب الشمس، فلن أنجح في إنجاز تواصلي الرقمي، لأن أجهزة الاتصالات مرتبطة بالكهرباء الغائبة تماماً، اتصالاتنا الرقمية مرهونة بألواح الطاقة الشمسية القليلة الباقية فوق أسطح منازل تجار الشبكات الرقمية القلائل.

شبكة الاتصالات مقطوعة بالكامل منذ ثلاثة عشر يوماً، أشعة الشمس تتسلل بخجل وراء كتل الغيوم السوداء، هي الوحيدة التي تسخن ألواح الطاقة الشمسية الشاحنة للبطاريات.

قررت بعد انقضاء عدة أيام على حجب الاتصالات أن أحاول اصطياد شبكة الإنترنت خارج مكان خيمتي لإرسال مقالي إلى الصحف.

أما مالكو الهواتف الرقمية فعليهم أن يتأكدوا من أنواع هواتفهم المحمولة، إذ إن معظم أنواع تلك الهواتف الشعبية متوسطة الجودة غير قادرة على التقاط شبكة الإنترنت، فمن يحملون الهواتف الفائقة الذكاء عليهم أن يسألوا مدمني شبكة الإنترنت عن أماكن اصطياد إشارات الإنترنت العالمية، وغالباً فإنهم سيسيرون مسافات طويلة حتى يعثروا على مكان التقاط الشبكة بهواتفهم!

أما مالكو الهواتف الشعبية المحتاجون للشبكة الرقمية، بأن يرسلوا بياناتهم لإكمال دراستهم، أو يحجزوا موعداً للسفر، أو يبلغوا أسرهم في الخارج عن آخر عدد شهداء عائلاتهم، هؤلاء يمكنهم التغلب على مشكلة انقطاع الاتصالات، بأن يستعينوا بأحد معارفهم ممن يملكون هواتف غالية وعالية الجودة ويملكون عليها شرائح خاصة بالاتصالات الدولية لا تخضع لمواصفات الشبكات المحلية، هؤلاء عليهم أن يلتصقوا بحاملي الهواتف الذكية بعد أن يختاروا مكاناً مرتفعاً جداً عن سطح البحر، حينئذٍ يربطون الهواتف الرخيصة بالهواتف الذكية ويحظون بقبسة اتصال سريعة جداً.

اعتدتُ أن أعتمد اعتماداً كلياً في كتاباتي على جهاز اللابتوب، وليس على الهاتف المحمول لأنني أجد صعوبة في الكتابة على شاشته، كما أنني أملك هاتفاً شعبياً، لا يملك من القوة سوى صوت منبهه القوي، قمت أولاً بشحن بطارية اللابتوب بصعوبة لكي يكون قادراً على إرسال المقال، وإرسال بعض وثائقي؛ صور هويتي وجواز سفري بوساطة الشبكة الرقمية.

استيقظت مبكراً، شعرت براحة وأنا أرى أشعة الشمس تتسلل بين كتل الغيوم، تمنيت أن تتغلب الشمسُ في هذا اليوم على قطيع سرب الغيم الأسود الكثيف، حملت لابتوبي وفردتُ شباكي في محاولة لاصطياد إشارة من إشارات الشبكة الرقمية، عثرت بعد جهد على موقع مكتظ بزبائن الشبكة، اشتريت بطاقة صغيرة جداً تشبه تذكرة السفر في الحافلات، من أحد البائعين تحمل رقماً سرياً وتعريفاً بشبكة الإنترنت يقع بالضبط مقابل أمواج البحر، استأجرت كرسياً للجلوس، فتحت اللابتوب في حجري، حاولت تعريفه على الشبكة وفق الرقم السري، فجأة وجدت صاحب الكرسي يُحذرني قائلاً: ألم ترَ (الطراد) البحري وسط البحر أمامنا؟ أعدت النظر إلى البحر، كانت سفينة حربية إسرائيلية تبدو أمام الشاطئ مباشرة، قال لي الشاب صاحب الكرسي: ربما يقصفوننا عندما يشاهدون اللابتوب سيظنون أنك تراقبهم، وستكون كارثة علينا، ألم تسمع عن مجزرة الإنترنت على شاطئ غزة منذ أيام حين اغتالت السفينة الحربية أكثر من ستة وهم يلتقطون الشبكة؟ أرجوك، هناك مقهى خاص بالإنترنت يقع في اتجاه الشمال مسيرة أقل من ساعة، غادرتُ المكان نحو المقهى المخصص للإنترنت، دفعت ثمن بطاقة أخرى برقم سري جديد، ودفعت ثمناً غالياً لمشروب رخيص جداً، كان المهم عندي أن أتمكن من مراجعة مقالي مراجعة أخيرة سريعة لتدقيقه، ومن ثَمّ أرسله عبر البريد الإلكتروني!

وصلت المقهى بعد أكثر من نصف ساعة من السير الحثيث والسريع، كان المقهى مملوءا بالزبائن، لم أجد كرسياً للجلوس، اشتريت بطاقة إنترنت جديدة من بائع آخر، ظللتُ واقفاً أنتظر كرسياً فارغاً، وجدت كرسياً يبدو أنه نجا بعاهته من بيت دمرته طائرات الاحتلال، طوعت جسدي وفق مواصفات بقايا هذا الكرسي، فتحت لابتوبي، عرَّفته على الشبكة، كم كنتُ سعيداً وأنا أرى علامة الشبكة واضحة أسفل الشاشة، ظللتُ دائم المتابعة لشيئين، أشعة الشمس، وعلامة بطارية اللابتوب، لأن بطارية اللابتوب بدأت الشوط الأخير من عمرها، انشغلتُ بمسح المقهى بعيني لأتمكن من إيجاد طاولة صغيرة لاستخدمها للماوس، فأنا لا أجيد استخدام الماوس المدمج مع اللابتوب، أحمل معي ماوساً آخر كنت أقوده فوق ركبتي وأنا أجلس على الكرسي، أعدت مرة أخرى قراءة مقالي من جديد، ثم قررتُ أن أرسله، وضع النادل كأس القهوة الذي طلبتُه على الأرض تحت قدمي، أخذ ثمنه دون أن يجد لي مكاناً، أو كرسياً جيداً!

زر الذهاب إلى الأعلى