أقلام

اجراءات احتلالية بلا نهاية

بقلم: تمارا حداد.
تُواصل دولة الاحتلال اجراءاتها في القُدس الشرقية المُحتلة حيث اعتمدت الحكومات المُتعاقبة سياسة التغيير الديمغرافي وتقليل حجم السكان العرب في المدينة المُقدسة وتكثيف المستوطنين داخلها، وسعت نحو تكثيف الاستيطان من خلال مُصادرة الأراضي وإقرار دولة الاحتلال العديد من المشاريع الاستيطانية أهمها مشروع القُدس الكبرى من خلال خلق تواصل واضح للمستوطنين والحفاظ على تعزيز مكانة القدس كعاصمة لدولة الاحتلال وربط المستوطنات خارج حدود بلدية الاحتلال في مدينة القدس وتحقيق أغلبية يهودية في المدينة بشقيها الغربي والشرقي، وتقليل نسبة العرب ما دون 12% وفصل المناطق الفلسطينية بعضها عن بعض وتقسيم الضفة الغربية إلى مناطق معزولة “شمال ووسط وجنوب” وإحكام السيطرة على الضفة الغربية ومنع أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية واحكام السيادة عليها وتدمير أي وضعية اقتصادية مُستقلة، والقيام بطرق التفافية تعزل بها المدينة المقدسة عن مُحيطها الفلسطيني.
تُشكل المخططات الهيكلية التي تُصادق عليها سلطات الاحتلال ضمن سياسة مدروسة في الضبط السكاني لتعزيز أهم ركن أساسي من السياسة الاسرائيلية وهي أن القدس عاصمة أبدية للدولة العبرية بأكثر يهودية وأقلية عربية من خلال تعزيز هجرة السكان العرب خارج الجدار وتعزيز الاستيطان التي يتم السيطرة على الأراضي العربية، لذا تسعى سلطات الاحتلال التوجه نحو شرق مدينة القدس من خلال تنفيذ المخططات الاستيطانية كمشروع “E1” الذي تم الإعلان عنه عام 1994 على مساحة 12443 دونماً تمت مصادرتها من أراضي قرى “الطور،عناتا، العيزرية، ابو ديس”، وتمت المصادقة عليه 1997 حيث يهدف الى اقامة منطقة صناعية ضخمة وإقامة 5000 وحدة سكانية وإقامة الفنادق وذلك في الأراضي الواقعة بالقرب من مستوطنة معاليه أوميم.
يُعتبر المشروع أهم مخطط لترسيخ القُدس الكُبرى حيث يربط المستوطنات خارج وداخل حدود بلدية الاحتلال من خلال إقامة أحزمة من الانفاق والشوارع الالتفافية، ويعمل المشروع على توسعة مستوطنة معاليه ادوميم وضمان اتصالها بمدينة القدس الشرقية وهذا إشارة إلى منع إقامة القدس الشرقية كعاصمة لفلسطين، هذا المشروع سيربط المستوطنات الواقعة في المنطقة الشرقية وخارج حدود بلدية القدس وبالتالي يُحول القرى العربية لمعازل محاصرة بالمستوطنات، هذا المشروع سيأخذ مساحة 15% بالمية من مساحة الضفة الغربية ويعمل على التغيير الجغرافي والديمغرافي لتحقيق الهدف الديني والسياسي للاحتلال بإقامة القُدس الكُبرى ضمن السياق الاسرائيلي.
تسعى دولة الاحتلال إلى تذليل العقبات أمام المستوطنين لاستيعابهم في القدس الشرقية حيث تقوم بخلق بُنية تحتية من الشوارع تتلاءم والمشاريع الاستيطانية الحديثة وإيجاد شبكة لربط المستوطنات بمركز مدينة القدس المحتلة وهذه الشوارع يتم أخذها من الفلسطينيين، وزيادة على الشوارع الالتفافية التي أخذت طابعاً تهويدياً وأزالت الهوية العربية هناك مشاريع مُتعددة مثل إنشاء القطارات وعمل التلفريك الهوائي لتعزيز التواجد اليهودي وتسهيل وجود المستوطنين داخل البقعة المقدسية وقتما يريدون.
إن هدف الاحتلال من سياسية الاستيطان وهي حسم الصراع على مدينة القدس وإيجاد نهاية سريعة لذلك وذلك من خلال حسم مصير القدس كعاصمة يهودية السكان والأرض والمعتقدات لذا تسعى إلى تعزيز التقسيم المكاني والزماني من خلال ترسيخ المعتقد الديني في المنطقة المقدسة حيث يزعم المتدينون أن قبة الصخرة وما حولها من المنطقة الغربية الشمالية المقدسية هي “جبل الهيكل” ذي المكانة الدينية المقدسة لهم.
وهذا الأمر يُشكل هجمة تهويدية عدوانية على مدينة القدس كماً ونوعاً، والوجود الاستيطاني سيكون أكبر عائق لأي تسوية ممكنة بين الفلسطينيين والاحتلال وهو إشارة إلى أن نظرة الاحتلال لمدينة القدس الشرقية مصيرية في ظل الواقع الفلسطيني الضعيف. حيث تقوم سلطات الاحتلال بفرض وقائع الأمر على الارض لتقسيم المنطقة العربية الى قطع فسيفسائية تُعيق وبشكل كامل لأي فرصة لجعل المدينة المقدسية عاصمة لفلسطين.
ان استمرار الاقتحامات اليومية هي لترسيخ التقسيم المكاني بين المسلمين واليهود لتُنهي الحصرية الاسلامية للمسجد الأقصى مُمثلة بالأوقاف الاسلامية من خلال بناء المعالم والرموز الدينية اليهودية لترسيخ الاحتلال، حيث شهدت القدس تغييرات جذرية في البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بسبب الاجراءات العنصرية فيها والمُتمثلة باستمرار مصادرة الأراضي والاستيطان والطوق الأمني وهدم المنازل والحرمان من التعليم واسرلته وإغلاق المؤسسات الوطنية والاجتماعية وفرض الضرائب الباهظة على العرب والابعاد عن القدس وسحب الجنسيات والحرمان من لم الشمل ومنع السفر وتقييد الحركة وعدم السماح بترميم المنازل واستهداف المقدسات الاسلامية والمسيحية ومنع حرية الصلاة كلها تندرج ضمن سياق اجراءات تشكل عُقبة كبيرة لأي عملية تسوية بالتحديد أمام عدم قدرة الولايات المتحدة والمجتمع الأوروبي والاقليمي نحو إيقاف الاستيطان والاكتفاء بأن الاستيطان غير شرعي ويُقوض فرص السلام رغم يقينهم أن الاحتلال لا يريد الجلوس والتفاوض ولا يريد تعزيز فرص السلام مع الفلسطينيين بل جعلهم كأيدي عاملة لديه دون حقوق سياسية، أمام خيارات الموقف الفلسطيني “السلطة الفلسطينية والقيادة” المحدودة والمحصورة بإما البقاء بتسيير حياة الناس اليومية والاستمرار في جلب اعترافات دولية في المؤسسات الرسمية وهو يُسهل الاستيطان وكسب الوقت لدى الاحتلال وفرض أمر واقع لا يمكن تغييره.
وإما الذهاب لمصالحة فلسطينية وتغيير الاستراتيجيات المُعتمدة على خيار انتظار الوقت والبدء في تفكير جدي أمام التغيرات الاقليمية والدولية التي أصبحت فيها اغلب الدول تُعزز مصالحها الاقتصادية عن اي موضوع شائك في منطقة الشرق الأوسط في ظل تكريس الاحتلال سياسته بمنع اي شكل من اشكال السيادة غير الاسرائيلية على القدس والضفة والاستمرار في تقنين ضم القدس ادارياً وقضائياً إلى حين تعزيز قوانين لصالح ضم الضفة الغربية لتكريس الامر الواقع بوجود حكومة قادرة على تحقيق ذلك دون قيد او اي اعتبار للقرارات الدولية التي لم تُنفذ ولن ترى النور.

زر الذهاب إلى الأعلى