اتفاقيات أبراهام بين جمال المُصطلح وخطورة التوجهات
بقلم: تمارا حداد.
بدأت فكرة “اتفاقيات أبراهام” في تسعينيات القرن العشرين حينما قامت الإدارة الأمريكية بإنشاء برنامج أبحاث ودراسات “الحرب والسلام”، وبدأت اختبار المفهوم الإبراهيمي عام 2000 عن طريق جامعة هارفارد وأرسلت الجامعة فريقاً من الباحثين الأمريكيين لمنطقة الشرق الأوسط لاختبار فرضية طرح تجمع جديد باسم “ابراهام” يتجمع حوله الدول بدعوى حل الصراع (العربي_الصهيوني) من خلال التجمع الإبراهيمي وهدفه إنشاء “الولايات المتحدة الابراهيمية” وهي دولة فدرالية موعودة تشمل مُجمل الدول العربية في الشرق الأوسط واسرائيل وإيران وتركيا حتى المغرب العربي أي أنها أكثر اتساعاً من حدود النيل إلى الفرات على أن تكون القيادة الفدرالية لإسرائيل.
وهذا يُساهم في توسيع المشروع الصهيوني وتهيئة المُناخ لإنشاء مشاريع التطبيع وإزالة الأفكار المُمانعة لانتشاره الأمر الذي ما زالت الشعوب ترفضه، لذا عملت أمريكا على ثلاث مستويات لتعزيز “اتفاقيات ابراهام” من خلال إقامة برامج “الدبلوماسية الروحية” وإنشاء مؤسسات تتبع الوزارة الخارجية واستحداث قسم في الوزارة وتنصيب مبعوثاً خاصاً لتعزيز “اتفاقيات ابراهام”.
وافق مؤخراً مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون تعيين مبعوث خاص لتعزيز وتوسيع “اتفاقيات ابراهام” وتم تأييد هذا المشروع في مجلس النواب اذ بلغت نسبة المؤيدين 97% (413 صوتوا لصالح القرار و13 ضده)، قد يكون للوهلة الأولى أن هذا القرار يُعزز السلام في منطقة الشرق الأوسط ولكن القرار له دلالات ومؤشرات لسلام لجانب واحد وهو لدولة اسرائيل دون الاهتمام بحل القضية الفلسطينية بالرغم أنها مفتاح السلام والاستقرار في المنطقة إذ انوجد لها حل سياسي.
لكن إقرار هذا القرار له علاقة بدولة اسرائيل وبالتحديد في مجال السلام وتعزيز التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية بين اسرائيل والدول العربية والاسلامية ودمجها بشكل سلس دون معوقات، بالتحديد أن “اتفاقيات ابراهام” تختلف كلياً عن مُعاهدات السلام مثل التي أُبرمت بين مصر والأُردن واسرائيل، حيث أن معاهدة السلام بين اسرائيل ومصر عام 1979 لها علاقة بحل قضية عالقة حول منطقة نزاع مُسلح بالتحديد في منطقة شبه جزيرة سيناء التي كانت عاملاً لإبرام مُعاهدة بعد حروب عديدة استمرت بين الجانبين.
وفيما يتعلق بمعاهدة السلام بين الأُردن واسرائيل عام 1994 أيضاً جاءت للتوصل إلى حلول خاصة بالأراضي المُؤجرة الحدودية بين الأردن واسرئيل وقضايا المياه وغيرها وهذه المعاهدات جاءت للضرورة نظراً للحدود الجغرافية بين مصر والأُردن واسرائيل.
وفيما يتعلق بالجانب الفلسطيني كانت عمليات توقيع السلام عام 1993 بين السلطة الفلسطينية واسرائيل جاءت لحل قضايا للوصول الى دولة فلسطينية بعد خمس سنوات من توقيع اوسلو لكن مع الزمن اتضح أن الاتفاق هدفه كسب الوقت لسرقة الأرض والاستمرار في الاستيطان وانهاء الدولة الفلسطينية وإبقاء الفلسطينيين يعيشون في كنتونات مُتقطعة وتسيير امورهم المعيشية والإدارية دون حقوق وطنية وسياسية.
لكن “اتفاقيات ابراهام” تختلف كلياً عن تلك المعاهدات التي لها علاقة بحل قضية نزاع مسلح لكن دولة اسرائيل تريد من “اتفاقيات ابراهام” ليس لحل قضايا نزاع بل تريد الاندماج الفعلي أمنياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً في جميع دول منطقة الشرق الأوسط وافريقيا، وارسال مبعوث خاص هو لتعزيز تلك الاتفاقيات وهي لصالح دولة اسرائيل وليس لها علاقة بحل قضايا نزاع مسلحة او حل قضية فلسطين لانها في منظور الاحتلال قضية أمنية وليست سياسية يتم التعامل معها في وحدة من وحدات جيش الدفاع الاسرائيلي.
دولة اسرائيل تُريد توقيع “اتفاقيات ابراهام” مع دول ليس لها علاقة معها بحدود جغرافية فهي تهدف من تلك الاتفاقيات أولاً نسيان أهم قضية صراع في منطقة الشرق الأوسط وهو الملف الفلسطيني ورسم مسار جديد للمنطقة قائم على تقارب (عربي_اسرائيلي) وثيق فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية والفرص الاقتصادية وتشجيع السلام بين الشعوب يشمل روابط السياحة والتجارة والاستثمار بدلاً من أن يكون فقط بين الحكومات.
إن إرسال مبعوث “لاتفاقيات ابراهام” لها علاقة بتعزيز الصورة الذهنية للشعوب العربية بأن العرب واليهود ينحدرون من السلف نفسه “ابراهيم” وكلاهما من السكان الأصليين في الشرق الأوسط ويكتسي هذا الفكر بدحض الإدعاءات القائمة منذ فترة طويلة في العالم العربي بأن الصهيونية غريبة في المنطقة وإزالة أن اسرائيل وحيدة بالتحديد بعد التغيرات الاقليمية والمصالحة السعودية _الايرانية_المصرية_التركية ورجوع سوريا لمقعدها في الجامعة العربية وإحاطة محور المُمانعة حول اسرائيل وأمام رفض بعض الدول العربية بتطبيع العلاقات مع اسرائيل إلا بإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
إن دولة اسرائيل يهمها في اللحظة الحالية وبدعم أمريكي خالص هو تعزيز السلام الثقافي المبني على التفاهم بين الأديان والتسامح الديني والاحترام وتعزيز ثقافة السلام بين المجتمعات المتأثرة بسلفها المُشترك “ابراهيم عليه السلام” ضمن حقبة جديدة من العلاقات الودية وتطوير برامج بين الشعوب وتبادلات ثقافية اكاديمية شبابية علمية والحاجة الى التواصل على المستوى المجتمعي وليس فقط المستوى الحكومي، وهذا عكس اتفاقيات السلام التي أُبرمت مع مصر والاردن والسلطة الذي بقي التطبيع على مستوى حكومي بينما الشعوب ما زالت ترفض وجود اسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، لذلك “اتفاقيات ابراهام” أخطر من اتفاقيات السلام التي جاءت لحل منطقة نزاع مسلحة.
أن الهدف الأساسي لإرسال مبعوث خاص “لاتفاقيات ابراهام” لها علاقة بإنشاء تحالف دفاعي أمني عسكري بين الدول العربية واسرائيل ولكن بعد التغيرات الإقليمية والدولية لا اعتقد أن “اتفاقيات ابراهام” ستنجح بعد انتهاء صورة” البُعبع الإيراني” التي ينشرها الاعلام العبري بعد المُصالحات العربية _الايرانية.
حتى على مستوى الدول التي وقعت “اتفاقيات ابراهام” بينها وبين اسرائيل ما زالت حبراً على ورق ولم تتبلور إلى خطة عمل ولا يوجد تصميم سياسي للدول التي طبعت باستمرار هذه الاتفاقيات بسبب التغير في النظام الإقليمي والبدء في ترسيخ التعددية القُطبية بين الصين واميركا وانسحاب الأخيرة من منطقة الشرق الأوسط للتفرغ لأُمور أخرى في العالم أهمها منطقة الصين الجنوبي والتركيز على المعابر المائية في العالم.
أن اميركا تسعى “لاتفاقيات ابراهام” لتعبئة الفراغ بعد انسحابها الكُلي من المنطقة من خلال “السلام الدافئ” بين اسرائيل والعرب وكأنها تُريد أن تتطمئن على وليدتها “القاعدة الاميركية المُتقدمة” في المنطقة قبل مغادرتها لذا تعمل أميركا على الترويج لهذه الاتفاقيات تحت إطار التطبيع وترسيخ العلاقات الأمنية والاقتصادية والعسكرية بين عدد من الدول العربية واسرائيل وتشكيل “التجمع الابراهيمي الجديد” بديانة جديدة تجمع الديانة الاسلامية واليهودية والمسيحية ضمن بوتقة دين موحد وتجمع موحد هدفه حل الصراع (العربي_ الاسرائيلي) والسيطرة الكلية على منطقة الشرق الأوسط وافريقيا ضمن مفاهيم السلام وحل الأزمات الاقتصادية والامنية والعسكرية تحت إطار تعزيز العلاقات العربية الاسرائيلية من خلال مُخطط كبير اسمه”الولايات المتحدة الابراهيمية”.
إن أبرز أهداف تلك الولايات تعزيز مساحة واسعة لاسرائيل في وضع قدم لها في كل بقعة جغرافية في منطقة الشرق الأوسط بنهج جديد ضمن إطار دين جديد يعمل على تهيئة الشعوب العربية التي ترفض وجود الكيان داخل منطقة الشرق الأوسط، واسرائيل تسعى إلى ترسيخ مُخططها من خلال العديد من الآليات بشكل تدريجي لتحقيق المشروع الفدرالي (العربي _الاسرائيلي) أُسوة بمشروع الولايات المتحدة الامريكية، إن أولى خطوات اسرائيل هو تعزيز مؤسسات المجتمع المدني تعمل على ترسيخ مفاهيم السلام والمحبة بين كافة الأديان وانشاء مراكز وجمعيات تعمل ضمن السياق الدوبلماسي هدفه دعم الشباب والنساء وتدريبهم على اسس ومفاهيم حديثة تُعزز مشروع ” الولايات المتحدة الابراهيمية” او ” التجمع الابراهيمي الموحد”.
أما الآلية الأخرى من خلال تأسيس وحدة داخل إطار الوزارة الخارجية الامريكية تُعزز الحوار الاستراتيجي بين المؤثرين من رجال الدين من كافة الاديان السماوية لتحقيق اهداف المشروع، مع تعزيز المشاريع السياحية بين الدول العربية واسرائيل ضمن سياق الرحلات الدينية من خلال مسارات دينية تُرسخ الدين الواحد بين كافة الاديان الثلاثة، مع توفير التمويل اللازم لذلك باعتبار ان السلام احدى اهداف التنمية المستدامة ومقاومة الفقر لن يحدثا إلا بتحقيق السلام الشامل بين الدول العربية واسرائيل.
إن مُخطط التجمع الابراهيمي الموحد للوهلة الأولى نراه يحقق اهداف انسانية تسامحية ثقافية لكن الاهداف الحقيقية تنطوي ضمن مخطط استراتيجي سياسي عميق يخدم بالدرجة الاولى امريكا وهو مشروع يشبه ما اقترحته كونداليزا رايس بترسيخ الفوضى الخلاقة من اجل السيطرة على الثروات في منطقة الشرق الاوسط، ولكن المخطط الجديد لا يسعى الى السيطرة الى الثروات من خلال الحروب بل من خلال مشاريع التسامح من خلال تطبيع وتعزيز وجود اسرائيل كمُنقذ وحيد لازمات الشرق الاوسط من خلال افقاد رؤساء الدول العربية بعدم قدرتهم حل الازمات المالية والامنية والعسكرية وتعزيز رؤية اسرائيل هي الحل امام ما تواجه الدول العربية من تحديات راهنة.
ان اسلوب اسرائيل الحالي المدعوم أمريكياً أسلوباً ناعماً يهدف إلى تعزيز السيطرة ولو جاء بشكل بطيء ولكن في النهاية ستُحقق اسرائيل أهدافها، وأولى الأهداف من هذا التجمع تصفية القضية الفلسطينية وتعزيز البعد الاقتصادي دون حلول سياسية.