إغلاق باب المغاربة.. تهدئة مؤقتة أم تكريس للسيادة الفلسطينية على الأقصى؟ .. كتب عبد الباري فياض

في خطوة تُحسب للضغط الشعبي الفلسطيني، قررت السلطات الإسرائيلية منع دخول المستوطنين اليهود إلى المسجد الأقصى خلال العشر الأواخر من شهر رمضان، مُغلقةً بذلك باب المغاربة أمام محاولات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد. بعد أن استباح المستوطنون باحات المسجد الأقصى خلال عشرين يومًا من بداية شهر رمضان، وأدوا جولات استفزازية وصلوات تلمودية.
هذا القرار، الذي جاء بعد تصاعد الضغط الشعبي الفلسطيني والمواقف الدولية الرافضة لانتهاكات الاحتلال، يطرح تساؤلات جوهرية: هل هو مجرد إجراء تهدئة مؤقتة لامتصاص الغضب، أم أنه اعتراف ضمني بالسيادة الفلسطينية على الأقصى في مواجهة مشاريع التهويد؟.
لا يمكن فصل القرار الإسرائيلي عن السياق العام من المقاومة الشعبية الفلسطينية التي تصدت بصلابة لمحاولات اقتحام الأقصى وتغيير وضعه التاريخي. لقد تحول المسجد الأقصى، بفضل صمود المصلين والحراك الوطني، إلى رمز للصمود الفلسطيني، ليس فقط دينياً، بل سياسياً وهوياتياً. فالمشهد المتكرر لآلاف المصلين المدافعين عن الأقصى، رغم القمع والعنف، أثبت أن أي محاولة لفرض واقع جديد سيواجه برفض جماعي لا يمكن تجاوزه.
ومع ذلك، فإن القرار الإسرائيلي لا يخلو من حسابات أمنية وسياسية. فإسرائيل، التي تواجه انتقادات دولية متزايدة بسبب عدوانها على غزة وانتهاكاتها في القدس، تسعى إلى تخفيف الاحتقان، خاصة في فترة رمضان التي تشهد توتراً متصاعداً. لكن السؤال الأهم: هل هذا الإجراء يعكس تغيراً في السياسة الإسرائيلية، أم أنه مجرد تكتيك مرحلي؟.
التاريخ يشير إلى أن إسرائيل تعتمد سياسة “خطوة إلى الأمام، خطوة إلى الوراء” في تعاملها مع المسجد الأقصى. فبعد كل موجة غضب فلسطيني أو ضغط دولي، تتراجع قليلاً لتُعيد الكرة لاحقاً بمزيد من الإجراءات التصعيدية. فإغلاق باب المغاربة لا يعني إلغاء المخططات الاستيطانية الرامية إلى تقسيم المسجد زمانياً ومكانياً، كما حدث مع المسجد الإبراهيمي في الخليل.
فالكنيسة اليهودية المتطرفة، بدعم من حكومة اليمين الإسرائيلي، ما زالت تعمل على تعزيز الرواية التوراتية المزعومة حول “هيكل سليمان”، مستخدمةً الاقتحامات المتكررة كأداة لفرض الأمر الواقع. وفي ظل غياب رادع دولي حقيقي، تبقى هذه المحاولات قائمة، وإن كانت تواجه مقاومة فلسطينية شرسة.
القرار الأخير، رغم محدوديته، يؤكد أن السيادة الفلسطينية على الأقصى ليست مجرد شعار، بل حقيقة قائمة بفعل الإرادة الشعبية. لكن هذه السيادة تبقى هشة في ظل غياب حل سياسي ينهي الاحتلال. فالأقصى ليس فقط مكاناً للعبادة، بل هو ساحة صراع وجودي بين مشروعين: مشروع تهويدي يستهدف طمس الهوية العربية والإسلامية للقدس، ومشروع صمود فلسطيني يربط بين حرية المسجد وحرية الأرض.
لذلك، فإن أي انتصار مرحلي، مثل منع الاقتحامات في رمضان، يجب أن يُستثمر لتعزيز الحماية الدولية للأقصى، وفضح الممارسات الإسرائيلية، وتكثيف الجهود الدبلوماسية لإلزام إسرائيل باحترام الوضع القائم. فالمعركة ليست دينية فحسب، بل هي معركة سياسية وقانونية تحتاج إلى توحيد الجهود العربية والإسلامية والدولية.
وختامًا، فإغلاق باب المغاربة قد يكون انتصاراً مؤقتاً، لكنه يثبت أن الفلسطينيين، بقوة حضورهم وصمودهم، قادرون على فرض معادلات جديدة. وضرورة مواصلة الرباط في المسجد الأقصى المبارك خلال الأيام المتبقية من شهر رمضان، والحشد بشكل واسع في جميع الأوقات، وعدم الرضوخ لكافة قيود وتشديدات الاحتلال وتضييقه على المصلين وتقييد وصولهم.
. ومع ذلك، فإن استمرار السيادة على الأقصى يتطلب أكثر من المواجهات اليومية؛ فهو يحتاج إلى استراتيجية متكاملة تجمع بين المقاومة الشعبية، والضغط الدبلوماسي، والتأييد الدولي. فالأقصى ليس مجرد مسجد، بل هو قضية شرعية، وضمير، وهوية.. ولن يكون مصيره إلا حراً، كما ستبقى القدس عاصمة لفلسطين.