أقلام

أحمد عبدالوهاب يكتب: صراع الانتخابات البريطانية والاعتراف بفلسطين

من المعروف أن الانتخابات لعبة سياسية، يستخدم فيها كل مرشح كافة الأساليب المتاحة لديه، حتى وإذا كانت على حساب أشخاص آخرين، لتحقيق الفوز للوصول إلى كرسي في مقعد السُلطة، وهو الأمر الذي قد ينطبق على المنافسة الشرسة التي تشهدها الانتخابات التشريعية البريطانية المُقبلة، والتي يتنافس فيها رئيس الوزراء الحالي ريتشي سوناك، وعدد آخر من الساسة البريطانيين، من بينهم أنجيلا راينر، نائبة رئيس حزب العمال.

ومن المؤكد أن العدوان على غزة، سيلعب دورًا في تلك الانتخابات، فالمرشحون يعلمون جيدًا، مدى أهمية الكتلة التصويتية من الجالية المسلمة في بريطانيا، وتأثيرها في مسار العملية الانتخابية، وبالفعل تأكد ذلك من خلال مقطع فيديو، تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، قالت فيه نائبة زعيمة حزب العمال «أنجيلا راينر»، إنها ستستقيل من منصبها كعضوة في البرلمان، إذا كان من الممكن تحقيق وقف إطلاق النار في غزة.

وتم تصوير «راينر»، وهي تتعهد بأن حزب العمال سيبذل كل ما في وسعه لإنهاء المعاناة في غزة، بينما يحاول الحزب استعادة الناخبين المسلمين، وتعكس مناشدة «راينر» محاولتها دعم الناخبين المحبطين من موقف الحزب من حرب إسرائيل مع حماس.

وتشير أدلة في الانتخابات المحلية، التي أجريت في وقت سابق من هذا العام، على أن الناخبين المسلمين بدأوا في التخلي عن حزب العمال، بسبب أسلوبه في التعامل مع العدوان على غزة، وجاء في خطاب ألقته أنجيلا راينر، وهي تخاطب الناخبين: «أعلم أن الناس غاضبون مما يحدث في الشرق الأوسط.. إذا كانت استقالتي كعضو في البرلمان الآن ستؤدي إلى وقف إطلاق النار، فسأفعل ذلك. سأفعل ذلك. إذا كان بإمكاني إحداث التغيير»

تصريحات «راينر» تداولتها الأوساط السياسية البريطانية، وتم نشر هذه التصريحات لأول مرة من قبل مدونة جويدو فوكس السياسية، التي قالت إنها حصلت على الشريط المسرب من اجتماع، وزعمت «راينر»، أنها عملت ليلا ونهارًا، لإخراج ثلاثة أطباء بريطانيين من رفح، وكانت تحاول إيصال المساعدات إلى غزة، وقالت «أعدكم، أن حزب العمال، بما في ذلك أنا، يبذل كل ما في وسعه».

وفي الأسبوع الماضي فقط، كان حزب العمال يدعم المحكمة الجنائية الدولية، ولم يدعم المحافظون المحكمة. وفي تصريح آخر لمرشحة حزب العمال قالت فيه، إن الحزب سيعترف بفلسطين كدولة، إذا تم انتخابه، وأنه إذا وصل حزب العمال إلى السلطة، فسوف تعترف بفلسطين، لا يوجد شيء يمكن الاعتراف به في الوقت الحالي، للأسف، لقد تم القضاء عليه. علينا أن نعيد بناء فلسطين، علينا أن نعيد بناء غزة، وهذا يتطلب أكثر من مجرد الاعتراف بها.

تصريحات «راينر» بشأن غزة، وصفها بعض الساسة في بريطانيا بأنها «تتسول» من أجل أصوات المسلمين، وقد وجد التحليل الذي أجرته صحيفة التلغراف أن دعم حزب العمال انخفض في الانتخابات المحلية في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية للمسلمين، بما في ذلك أولدهام في مانشستر الكبرى، وفقد الحزب السيطرة على المجلس في هزيمة مفاجئة. وقد تناول زعيم حزب العمال، هذه القضية بعد إعلان النتيجة، مؤكداً أنه عازم على استعادة ثقة أولئك الذين تجاهلوا حزبه نتيجة لنهجه في حرب غزة. لكنه ظل غير ملتزم بشأن التعهدات الملموسة التي يقدمها.

وتحاول أنجيلا راينر، كسب أصوات المسلمين في بريطانيا، لمواجهة محاولات التشهير بأنها خرقت قانون الانتخابات، والادعاءات بأنها قدمت معلومات كاذبة حول ترتيبات معيشتها، والتي كان من الممكن أن توفر لها ما يصل إلى 3500 جنيه إسترليني من ضريبة أرباح رأس المال عند بيع منزل مجلسها السابق.

وجاءت ردود الأفعال من جانب بعض المسلمين في بريطانيا، أن حزب العمال فشل في المطالبة صراحة بوقف دائم لإطلاق النار في الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، وأن الحزب تغير موقفه. إن الألم والغضب الذي يشعر به المسلمون في المملكة المتحدة بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، يمكن أن يسبب مشاكل لحزب العمال في الانتخابات المقبلة، وأظهر استطلاع للرأي، دعمًا قويًا لحزب العمال بين الناخبين المسلمين، حيث يؤيد الحزب 64%، لكن أكثر من 40% قالوا إن استجابة كير ستارمر للحرب جعلتهم أقل احتمالية للتصويت لحزب العمال، بينما قال 20% أن ذلك جعلهم أكثر احتمالية للقيام بذلك، وقد صنف واحد من كل ثلاثة ناخبين مسلمين الحرب على غزة، بين أهم ثلاث قضايا لديهم في تحديد من سيصوتون له.

وفي «إلفورد نورث»، ولتحدي الأغلبية البالغة 5198، اختار النشطاء المحليون مرشحًا يدعى ويس ستريتنج كوزيرًا للصحة في حكومة الظل، على وجه التحديد فيما يتعلق بموقف حزب العمال من الحرب على غزة، ما يقرب من ربع السكان مسلمون. وفي «والسال»، حيث يشكل المسلمون 11.3% من السكان، يفكر ثمانية من أعضاء المجالس العمالية، الذين استقالوا من الحزب بسبب هذه القضية.

موقف أنجيلا راينر من الحرب على غزة، يبدو في الظاهر مؤيد لوقف إطلاق النار، ولكن هل يمكنها حال فوزها في الانتخابات، أن يكون لها تأثير قوي، للضغط على بريطانيا، للاعتراف بدولة فلسطين، أم ما تقوم به هو مجرد دعاية انتخابية، لكسب أصوات تمكنها من النجاح في الانتخابات.

وإذا كانت «راينر» صادقة في موقفها تجاه غزة، وعازمة على الاعتراف بدولة فلسطين، فإن هذا الأمر لن يكون سهلًا على الإطلاق، خصوصًا في ظل سيطرت اللوبي اليهودي، على مجريات الساحة السياسية في بريطانيا، خاصة وأن تأثير اللوبي الصهيوني على حزب المحافظين في المملكة المتحدة، أكثر من 80% من أعضاء الحزب، منخرطون في مؤسسة داعمي إسرائيل المحافظين في بريطانيا، فمن المؤكد أن اللوبي اليهودي، سيعرقل محاولات «راينر»، حال صدقها في الاعتراف بفلسطين.

زر الذهاب إلى الأعلى