أقلام

أبو مازن رجل السلم والحرب

كتب| فادي حمدان الصاوي

بدأ الرئيس كلمته برسالة هامة تستهدف العديد من الأطراف، وعلى رأسها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وأكد الرئيس أن السلام لا يمكن أن يتحقق بدون أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم الكاملة. هذا التصريح يعني أن الرئيس لم يقصد فقط التشديد على أهمية حقوق الفلسطينيين، بل أيضًا إشارةً إلى مفهوم “السلام المعكوس” الذي يُسعى إليه من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من خلال اتفاقات التطبيع مع العديد من الدول العربية
وعلى هذا الأساس، فإن الشرق الأوسط الجديد الذي يرسمه الولايات المتحدة وإسرائيل لا ينبغي أن يُجبر الفلسطينيين على التخلي عن هويتهم وحقوقهم السياسية، بل يجب أن يتضمن حقهم في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة وعاصمتها القدس. وبالتالي، فإن أي خطوة اتفاقية زائفة لن تقنع الفلسطينيين بالانضمام إلى قطار التطبيع أو الموافقة على الحلول الاقتصادية في إطار اتفاقات السلام العربية الإسرائيلية، إلا إذا تمكن الفلسطينيون من تحقيق استقلال كامل والحصول على دولة مستمرة جغرافيًا في الضفة الغربية والقدس وغزة
تكمن الرسالة الواضحة الموجهة إلى إدارة الرئيس جو بايدن في أنها تسعى إلى عقد اتفاقات تطبيع مع المملكة العربية السعودية من خلال تقديم بعض التنازلات للفلسطينيين دون تقديم مبادرات سلام حقيقية تستند إلى مبدأ حل الدولتين. إدارة بايدن غير قادرة حتى الآن على اتخاذ إجراءات تتمكن من خفض نفوذ حكومة اليمين المتطرف التي يقودها نتنياهو، من خلال وقف مخططات الاستيطان والضم. إذ إن هذه المخططات ستحرم الفلسطينيين من أي حقوق سياسية يمكن أن يدعونها في المستقبل
لم تكن كلمة الرئيس أبو مازن في الدورة ال 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة كلمة تقليدية ترتكز على العبارات الانشائية او الفلسفية، وهي ليست كلمة استعراضية لأنها خالية من الاستعراض اللغوي والسياسي، كلمة الرئيس جاءت مركزة وشاملة استطاع من خلالها عرض الهم الفلسطيني والمعاناة الفلسطينية بسبب الاحتلال الصهيوني واستيطانه المتطرف والجرائم اليومية التي يرتكبها هذا الاحتلال أمام كافة عيون العالم. ركز الرئيس على كافة الحقوق التي أقرها واعترف بها القانون الدولي بدءاً من الحماية الدولية لشعبنا مروراً بحق العودة والتعويض والحق في الاعتراف بنا كدولة تحت الاحتلال وانتهاء بحقوق تقرير المصير ، محملاً الاحتلال مسئولية كافة الجرائم التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته ومحاولة تنفيذ الاحتلال مخطط تغيير الوضع التاريخي والديني للمقدسات الفلسطينية الإسلامية المسيحية في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والحرم الإبراهيمي في الخليل ، كما وحمل العالم المسئولية الكاملة عن تقاعسه في التدخل العادل لإنهاء هذا الاحتلال الطويل ، وتساءل عن سبب اختلاف المعايير الدولية عند التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وبالتالي التعامل مع إسرائيل كدولة احتلال واستيطان وابارتهايد واضح المعالم ومتعدد الدلائل والبراهين ، وسأل العالم لماذا يتم التعامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي على أنها دولة فوق القانون؟ ولماذا لا تخضع إسرائيل حتى الآن لأي مساءلة أو محاسبة دولية؟
بدأ الرئيس كلمته برسالة هامة تستهدف العديد من الأطراف، وعلى رأسها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. قال: “من الخاطئ أن يعتقد أحد أن السلام يمكن أن يحقق بدون أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم الكاملة”. لم يكن الرئيس يقصد أكثر من ذلك بالتلميح إلى مسألة “السلام المعكوس” التي يسعى نتنياهو والولايات المتحدة إلى تحقيقها من خلال اتفاقات التطبيع مع العديد من الدول العربية. وبالتالي، فإن الشرق الأوسط الجديد الذي يوضع خريطته من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، لن يجبر الفلسطينيين على التنازل عن هويتهم وحقوقهم السياسية، وأهمها حقهم في دولة مستقلة بسيادة كاملة وعاصمتها القدس. وبالتالي، فإن جميع خطوات صنع السلام الوهمية لن تجبر الفلسطينيين على قبول الانضمام إلى قطار التطبيع والتوافق على الحلول الاقتصادية في إطار اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية، ما لم يتمكن الفلسطينيون من تحقيق استقلال كامل، أو الحصول على دولة ذات سيادة مستمرة جغرافيًا في الضفة الغربية والقدس وغزة. وهذه رسالة واضحة المعنى موجهة إلى إدارة جو بايدن التي تسعى إلى عقد اتفاقات تطبيع مع المملكة العربية السعودية عن طريق تقديم بعض التنازلات للفلسطينيين دون تقديم مبادرات سلام حقيقية تعتمد على مبدأ حل الدولتين، حتى أنها غير قادرة على اتخاذ إجراءات تتمكن من خفض نفوذ حكومة التطرف التي يقودها نتنياهو عن طريق وقف مخطط الاستيطان والضم، وهو مخطط لن يبقي للفلسطينيين أي حقوق سياسية يمكن لهم الحديث عنها في المستقبل
نبّه الرئيس العالم على خطورة تحويل الصراع لديني من خلال ارتكاب المزيد من الجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين واستهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية. ودعا المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، لتقديم الحماية للشعب الفلسطيني الذي يتعرض للاحتلال وجرائم التمييز العنصري والحرمان من القيام بطقوسه الدينية في مقدساته بحرية وبدون استفزاز. كما دعا المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته في المحافظة على المواقع التاريخية في القدس، بما في ذلك المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والمسجد الإبراهيمي في الخليل. وطالب الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات رادعة ضد دولة الاحتلال حتى تستجيب للقرارات الدولية المشروعة. وانتقد بشدة عجز الأمم المتحدة عن تنفيذ أي من القرارات الف لقرار التي صدرجلرت بشأن الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي تدعم جميع حقوق الشعب الفلسطيني وتطالب بوضع نهاية للاحتلال وتقديم حقوق تقرير المصير للفلسطينيين
كان المؤتمر الدولي للسلام هو واحد من أهم التوجهات التي اتبعها الرئيس للأمم المتحدة والجمعية العامة، حيث يعتبر الشكل الأكثر أمانًا لتحقيق العدالة الدولية فيما يتعلق بحقوق شعبنا. كانت جميع الدول المهتمة بتحقيق السلام في الشرق الأوسط مدعوة للمشاركة فيه. طالب الرئيس، السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بوضع الترتيبات اللازمة لعقد هذا المؤتمر بصفة عاجلة كفرصة أخيرة لإنقاذ حل الدولتين. كما طالب الرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة والدول الأعضاء بمنح فلسطين عضوية كاملة في المنظمة. وتساءل عن سبب عدم الاعتراف بعض الدول التي تعترف بإسرائيل بفلسطين كدولة مستقلة. وأعرب الرئيس عن استغرابه من قبول العالم المزدوجية في المعايير المتعلقة بالقضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. وسأل لماذا لا تتم محاسبة إسرائيل على الجرائم التي ترتكبها بحق الفلسطينيين، ويتعامل العالم معها كدولة مخالفة للقانون. وكذلك، وضع الرئيس مسؤولية كل من بريطانيا وأمريكا على كل تلك الجرائم التي ارتكبت في الماضي ومازالت ترتكب الآن نتيجة لدورهم في صياغة وعد بلفور وتطبيقه على الأرض، وطلب منهم الاعتراف بالخطأ والاعتذار وتعويض الأضرار وفقًا للقانون الدولي للشعب الفلسطيني
أرسل الرئيس رسالة واضحة للشعب الإسرائيلي ولحكومته بأن احتلالهم للأرض الفلسطينية لن يستمر بأي حال من الأحوال، مهما كانت طموحاتهم وسياساتهم ومخططاتهم العنصرية لحل قضية فلسطين من خلال المشروع اليهودي الكبير لتأسيس دولة يهودية غير مشتركة مع الفلسطينيين في أي حقوق سياسية. صرح الرئيس بوضوح “إن الشعب الفلسطيني باقٍ على أرضه الذي استوطنها منذ آلاف السنين، جيلًا بعد جيل، ولن يتم تهجيره”. وهذا يعني أن جميع إجراءات الاحتلال الوحشية لن تؤثر في صمود شعبنا على أرضه، ولن تثنيه عن مقاومة الاحتلال، وخاصة مقاومة مشاريع الضم والاستيطان التي ستفشل، ولن تبقى أي من مستوطناتهم التي يحاولون توسيعها على حساب الأرض الفلسطينية وزراعتها بمليون مستوطن في السنوات القادمة. لأنّنا كفلسطينيين، أصحاب الأرض، سنقاوم هذا الاستيطان بكل ما أوتينا من قوة. أرسل الرئيس أبو مازن رسالة أخيرة وقوية للمجتمع الدولي بجميع مكوناته، مؤكدًا على مسؤوليتهم الكاملة عن هذا الاحتلال الشنيع، وحثّهم على تمكين الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة وتنفيذ جميع القرارات الدولية والشرعية التي ستبقى في طابعٍ أدبي وأخلاقي وقانوني عالمي، وهذا من اختصاص الهيئة لضمان الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط
قد قام الرئيس عباس بتقديم رد فعل سريع على الخطاب المضلل والخارطة المزورة لنتنياهو بطريقة ثقة وهدوء، حيث قدمه بشكل موجز وواضح، بحكمة وسلاسة. بدأ رده بجملة قوية وواضحة، تشبه رسالة تحذير مستقبلية قائلاً: “أكثر أهمية ممن يعتقد أن هناك سلام… بدون أن يحظى الفلسطينيون بحقوقهم المشروعة”. هذه الجملة كانت رداً استباقياً على الخطاب المزور والخارطة المزيفة لنتنياهو، أو ربما استفزته بطريقة جعلته يظهر معتقداته الحقيقية
كان خطاب الرئيس عباس شاملا ومقنعا لأنه مستند ببساطة إلى قصة حقيقية عن الشعب الذي يناضل من أجل إنهاء الاحتلال، على الرغم من التغيرات المحيطة به والتغافل المتعمد عن معاناته المستمرة ومحاولات تجاوزها. يتم تثمين شجاعته في تكرار المطالب الفلسطينية بلا كلل أو ملل من المجتمع الدولي. نواجه تحدياً في إبقاء القضية الفلسطينية حيّة على سلم أولويات المجتمع الدولي، ويجب أن نتعامل معه بمثابة مكافحة الاحتلال فحسب. أهم ما جاء في كلمة الرئيس أبو مازن هو مطالبته المستمرة بالحق في عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة واعتراف الدول بالدولة الفلسطينية المستقلة. هذا مطلب يجب الإصرار عليه والسعي جاهدًا لتحقيقه لأنه يجدد نظرية البديل الصهيونية “أرض بلا شعب” المنتشرة التي عرضها نتنياهو في خارطته المزورة بوقاحة. تحدى عباس أيضاً المجتمع الدولي بدعوته لعقد مؤتمر السلام، مما يتطلب استعداد الفاعلين الدوليين للمشاركة وقدرتهم على تبني مواقف سياسية فاعلة. ومع ذلك، مع التحولات السريعة التي يشهدها النظام العالمي اليوم نحو تعدد القطبية، وصعود قوى الوسط والجدية في توسيع التكتلات الجيوسياسية والاقتصادية مثل بريكس ومجموعة السبع والسبعين بالإضافة إلى الصين، سيعيد تشكيل الاقتصاد العالمي والنظام السياسي العالمي، ولذا يجب تغيير النظرة نحو عقد المؤتمر الدولي. ليس من الضروري حضور جميع الفاعلين الغربيين

زر الذهاب إلى الأعلى