هل خرج الشرق الأوسط بالفعل من دائرة النفوذ الأمريكي؟
بقلم: الدكتور ابراهيم ابراش
سعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط ووراثة النفوذ البريطاني والفرنسي الذي تجلى في اتفاقية سايكس- بيكو1916 خلال الحرب العالمية الأولى، وخلال الحرب الباردة وما بعدها كان الشرق الأوسط وكأنه منطقة نفوذ أمريكية بالرغم من بعض الاختراقات التي حققها الاتحاد السوفيتي في بعض الدول، وما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي جاء المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد ثم الكبير (2004-2006) في عهد أوباما ليوظف تراجع النفوذ السوفييتي و لتأكيد الهيمنة الأمريكي وبناء شرق أوسط جديد تشارك في إسرائيل، إلا أن هناك مؤشرات أن هذا للمخطط آخذ بالأفول مع حرب أوكرانيا وتداعياتها وتزايد النفوذ الروسي والصيني ثم مع توقيع الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية .
ففي مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قال الكاتب ديفيد اغناتيوس أن هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق قال له بعد توقيع الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية: “إنني أرى أنه تغيير جوهري في الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط.” وأن الاتفاق السعودي الإيراني مؤشر على تحولات استراتيجية في الشرق الأوسط ستحوله من منطقة نفوذ أمريكي إلى شرق أوسط متعدد الأقطاب.
كلام كيسنجر ينسجم مع ما تشهده المنطقة من تحولات وأحداث وأجواء انفراجات بين دول المنطقة لتصفية الإرث الدامي لفوضى ما يسمى الربيع العربي الذي هندسته ورعته واشنطن، بدأت بمصالحات بين دول مجلس التعاون الخليجي ثم بينها وبين سوريا، أيضا تقارب وحوارات بين سوريا وتركيا وإيران، وبين تركيا ومصر وبين مصر وسوريا مع زيارة وزير الخارجية السوري لمصر، وأخيرا بدء مفاوضات برعاية عُمانية لحل الأمة اليمنية، مع حضور يتزايد للصين وروسيا في المنطقة، فهل سيشكل هذا الاتفاق نقطة فاصلة ومنعطفا في مسار الشرق الأوسط؟
عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الذي تم التوصل اليه في بكين يوم الجمعة الموافق العاشر من شهر مارس بقدر ما كان مفاجئا وخصوصا بعد توقف مفاوضات سابقة في العراق وعُمان وجد ترحيبا كبيرا من دول المنطقة ومن غالبية دول العالم المعنية بمنطقة الشرق الأوسط مع تخوفات إسرائيلية وحالة ترقب وارباك من واشنطن،
الاتفاق تضمن العديد من البنود الأمنية والسياسية والاقتصادية والتي تحتاج لوقت طويل لإنجازها، ولكن مجرد التوصل للاتفاق يرهص بتحولات ويخلق رهانات في المجالات التالية:
1- التخفيف من حدة الصراعات المذهبية في المنطقة وخصوصا بين الشيعة والسنة والتي كانت توظفها واشنطن لتفتيت الدولة الوطنية وإثارة الحروب الأهلية، وخصوصا الصراعات والحروب الأهلية في اليمن وسوريا ولبنان، فغالبية صراعات المنطقة مرتبطة بالخلافات الطائفية والسياسية بين أهم دولتين في المنطقة منذ الثورة الإيرانية عام 1979.
2- ربما يؤدي لكبح جماح التطبيع الإسرائيلي مع دول المنطقة لأن جزءا من مبررات دولة الإمارات العربية والبحرين لتطبيعها هو الخوف من الخطر الإيراني.
3- تراجع الدور المهيمن لواشنطن والغرب في المنطقة ونهاية المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الكبير الذي كانت واشنطن من خلاله تريد إعادة تشكيل المنطقة بما يسمح بدمج إسرائيل فيها.
4- تراجع نفوذ واشنطن سيؤدي لتراجع دورها في حل نزاعات الشرق الأوسط وخصوصا التسوية السياسية للقضية الفلسطينية
5- تزايد النفوذ والتواجد الصيني والروسي يبشر بشرق أوسط متعدد الأقطاب ومتوازن في علاقاته مع الأقطاب الدولية.
6- أما بالنسبة للصراع مع الكيان الصهيوني وحيث إن إيران والسعودية معارضتان للتطبيع لذا من الممكن أن يشكل الاتفاق سدا في وجه التطبيع، كما أنه من المعروف أن إيران تدعم فصائل المقاومة الفلسطينية وتمدها بالسلاح وخصوصا حركة حماس بينما تصنف السعودية الحركة بأنها تنظيم إرهابي، فنأمل أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين تؤدي للتخفيف من التوتر في الساحة الفلسطينية.
ومع ذلك سيكون من السابق لأوانه الجزم بأن التقارب السعودي الإيراني بوساطة صينية قادر لوحده على إحداث تغيير استراتيجي في المنطقة لأسباب متعددة:
1- الدولتان ليسنا الفاعلين الوحيدين في سياسات المنطقة وواشنطن وتل أبيب ستعملان على وضع عقبات أمام التقارب بين إيران ودول المنطقة وبين روسيا والصين من جانب ودول الخليج من جانب آخر.
2- من السابق لأوانه المراهنة على تحول استراتيجي سريع في علاقة السعودية ودول الخليج العربي مع الغرب وتوجهها نحو الصين وروسيا حيث كل دول الخليج تحتضن قواعد أمريكية وغربية وتربطها بالغرب اتفاقيات أمنية وبعضها مرتبط باتفاقيات أمنية مع الكيان الصهيوني،
3- واشنطن لن تستسلم بسهولة لأنها تعرف أن من يتحكم في منطقة الشرق الأوسط ستتعزز قدراته في التحكم والسيطرة عالميا نظرا للموقع الاستراتيجي للمنطقة وما تختزنه من ثروات.، ولذا عززت تواجدها في المنطقة بعد توقيع الاتفاق بإرسالها في أبريل الجاري الغواصة “يو إس إس فلوريدا” التي تحمل أسلحة نووية للمنطقة كتهديد غير مباشر للدول التي تعتقد أن زمن واشنطن ولى إلى غير رجعة.
4- بعض الأطراف السنية ستشعر بالقلق وتتخوف من تراجع الدعم السعودي لها وقد تلجأ الى حلفاء آخرين غير السعودية.
5- مستقبل الشرق الأوسط وفي قلبه الدول العربية ومدى قدرته على التحرر من الهيمنة الخارجية مرتبط بقدرة الدول العربية على استعادة التضامن العربي وتفعيل النظام الإقليمي العربي واستعادة سوريا للصف العربي.
6- ما ستؤول اليه الأمور في الشرق الأوسط سيتأثر بتداعيات وبنتائج الحرب بين روسيا والغرب في أوكرانيا، واحتمال اندلاع حرب عالمية سيضع منطقة الشرق الأوسط في آتون هذه الحرب ويفرض عليها استحقاقات غير محمودة.