شؤون فلسطينية

في دورة استـثنائية… الجمعية العامة تبدأ مداولاتها حول مشروع قرار فلسطيني لإنهاء الاحتلال

الأمم المتحدة- المواطن

بدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة، صباح الثلاثاء، في دورتها الطارئة الاستثنائية العاشرة، مناقشة مشروع قرار جديد مقدم من دولة فلسطين لوضع فتاوى محكمة العدل الدولية، التي صدرت حول الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 19 حزيران/ يونيو، موضع التنفيذ وإنهاء الاحتلال خلال 12 شهرا.

وألقى السفير الفلسطيني رياض منصور كلمة قوية حض فيها الدول الأعضاء على التصويت لصالح مشروع القرار الذي يتبنى فتاوى المحكمة ويترجمها إلى برنامج عملي لتنفيذها. وهذا نص الخطاب:

السيد الرئيس

إن فلسطين جزء مهم من التاريخ العالمي والشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الإنسانية. ولن تختفي بلادنا ولا شعبنا. ولكن هذا لا يشكل عذراً لتجاهل التهديد الوجودي الذي يواجهونه.

لقد حفر الفلسطينيون، في واقع المعاناة والقمع، مساحات من الفرح والإنجاز. وظلت روحهم حرة، حتى عندما كانوا في الأغلال. لقد حافظوا على الأمل عندما كان كل شيء من حولهم يجب أن يقودهم إلى اليأس. لقد ظلوا مخلصين لهويتهم بغض النظر عن الثمن الذي اضطروا إلى دفعه. لقد كانوا ثابتين في السعي للحصول على حقوقهم غير القابلة للتصرف، تمامًا مثل جميع الشعوب الأخرى.

السيد الرئيس

يريد الفلسطينيون أن يعيشوا، وليس مجرد البقاء أحياء. إنهم يريدون أن يكونوا آمنين في منازلهم. إنهم يريدون أن يذهب أطفالهم إلى المدرسة دون خوف. إنهم يريدون أن يكونوا أحرارًا في الواقع، كما هم في الروح. أحرارا في العيش، في المجيء والذهاب، أحرارا في تحديد مصيرهم، خاضعين لله فقط ولا أحد غيره. إنهم يريدون أن يكونوا فلسطينيين. أن يكونوا أنفسهم. فقط أن يكونوا. لا هم أبطال ولا هم ضحايا. إنهم مجرد بشر لديهم أبسط الأحلام وأعظم الطموحات، يعيشون بكرامة وسلام وأمن في وطنهم.

الشعب الفلسطيني هو شعب استثنائي، ورغبته الحقيقية هي أن يعيش حياة عادية يريد الفلسطينيون أن يعيشوا ويزدهروا على أرض أجدادهم. حيث تحتضنهم روح الأجداد والآباء. حيث تنتظرهم حكايات حياتهم المعلقة بانتظار أن تستأنف.

نريد أن يدفن الأطفال آباءهم بعد حياة طويلة مفعمة بالحيوية، وليس أن يدفنوا أبناءهم قبل أن يتمكنوا من معرفة معنى الحياة. إن الأطفال الجدد لا يحملون إلى النمو من خلال دروس الأم والخوف، بل من خلال دروس الحياة التي يجب أن تكون كافية.

الآن السماء مليئة بالأطفال الذين سُلبت حياتهم قبل الأوان ومن خلال تقنيات قاسية للغاية، والأرض مليئة بالأطفال الذين عانوا، وأصيبوا بالشلل، وتيتموا، وتعرضوا لصدمات نفسية.

السيد الرئيس

بينما نجتمع في هذه القاعة، مرة أخرى، لمعالجة هذا الظلم التاريخي الخطير، يتعرض مليونا إنسان للحصار والقصف والتجويع. إنهم يتعرضون للتهجير تكراراً، دون ملاذ آمن في أي مكان، والموت ينتظرهم في كل مكان.

كم عدد الذين سيقتلون قبل أن يحدث التغيير وتنتهي هذه الوحشية اللاإنسانية؟.

كم عدد الذين سيتعرضون إلى التهجير مرارا من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال؟.

كم عدد الذين سيتم اختطافهم في منتصف الليل وإلقاؤهم في السجون الإسرائيلية لسنوات، فتضيع طفولتهم، وتدمر حياتهم؟.

كم من الحرمان من الحقوق، والطرد والتدمير سوف يتطلب الأمر حتى يتفاعل العالم أخيرا، بل ويتحرك؟ متى سيأخذ العالم موقفا ويتصرف بحزم بناء عليه، ويدعم القانون الدولي الإنساني؟.

السيد الرئيس

لقد طلبت الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية أن تعطي رأيها الرسمي والقانوني، حول الاحتلال انطلاقا من دورها وولايتها وقد تحملت المحكمة مسؤوليتها وقامت بما يجب أن تقوم به.

اسمحوا لي أن أقتبس من المحكمة: “إن انتهاك إسرائيل لمسؤوليتها كقوة احتلال عن طريق ممارسة الحصار من خلال الضم ليكون احتلالا دائما ومراقبة الجهود المبذولة لمنع الاعتراف وإحباط حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، هو انتهاك لحقوقهم الأساسية المعترف بها دوليا وتجعل هناك حاجة ماسة اليوم إلى الاعتراف بالفلسطينيين وحقهم القانوني في تقرير المصير.

إننا إذا أردنا أن نحدد قاعدتين أساسيتين، أو دعامتين يقوم عليهما النظام الدولي، فإنهما حق الشعوب في تقرير المصير ومنع السيطرة على أراضي الغير بالقوة، وهما القاعدتان اللتان انتهكتهما إسرائيل علناً وبوقاحة لعقود من الزمن دون عواقب.

لقد التزمت محكمة العدل الدولية بولايتها من خلال الإشارة إلى العواقب القانونية التي قد تترتب على إسرائيل وجميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بشكل لا لبس فيه، ووضعها أمام الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي كمساهمة مطلوبة ومتكاملة دوليا.

لقد كان هذا رأياً تاريخياً، فهذه هي المرة الأولى التي تدرس فيها المحكمة مسألة الاحتلال الاستعماري. والآن بعد أن أجابت المحكمة على الطلب، فقد حان الوقت لكي تتمسك الجمعية العامة بولايتها، وعلى جميع الدول أن تتمسك بتعهداتها وضمان احترام التزامها بالقانون الدولي والتزاماتها الخاصة أمام هذه الانتهاكات الصارخة التي تمارسها إسرائيل.

لقد أظهر الرأي الاستشاري للمحكمة أنه لا يوجد شك في الحقائق أو القانون. ولكن القانون ليس مجرد مقياس للانتهاكات. بل إنه موجود لمنع تلك الانتهاكات، وعندما لا ينجح ذلك، فهو موجود لمعاقبتها ووقفها وضمان المساءلة وضمان العدالة.

إن الإفلات الإسرائيلي من العقاب دون رادع أو وازع لا يعني سوى المزيد والمزيد من الفلسطينيين الذين يقتلون أو يصابون أو يعتقلون والمزيد من الدمار أو المزيد من الخسائر أو المزيد من البؤس. ولا بد من وضع حد لهذا. وعندئذ فقط يمكننا أن نتوقع تغييراً حقيقياً من شأنه أن يؤدي إلى السلام وتنفيذ حل الدولتين.

السيد الرئيس

لقد زعمت بعض الأصوات أن الانحراف عن القانون أو التخلي عنه هو السبيل الواقعي الوحيد للمضي قدماً. ولكن الانحراف عن القانون أو انتهاكه دون أي عواقب هو الذي قادنا إلى هنا في المقام الأول.

لا يجوز لأي قوة احتلال أن تتمتع بحق النقض على الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الخاضع لاحتلالها. إن أولئك الذين يعتقدون أن الشعب الفلسطيني سوف يقبل حياة العبودية، وحياة الفصل العنصري، هم أولئك الذين لا يتسمون بالواقعية. وأولئك الذين يتصورون أن الشعب الفلسطيني سوف يختفي أو يستسلم هم أولئك الذين لا يتسمون بالواقعية. وأولئك الذين يزعمون أن السلام ممكن في منطقتنا دون حل عادل للقضية الفلسطينية هم أولئك الذين لا يتسمون بالواقعية.

ويزعم بعض الأصوات أن هذا ليس الوقت المناسب لمثل هذا العمل. فهم يجدون دائماً أسباباً وجيهة للاستمرار في فعل الشيء الخطأ. ولكن العدالة المتأخرة هي عدالة محرومة. والوقت المناسب للقيام بالشيء الصحيح هو دائماً الآن.

وعندما ننظر إلى الخريطة، أو الأسوأ من ذلك، عندما ننظر إلى الوضع المروع على الأرض، قد تبدو المسألة لا مفر منها. ولكن الحل أمام أعيننا مباشرة، وهو الحل الذي أقره المجتمع الدولي ككل، والذي كرسته العديد من قرارات الأمم المتحدة. إنها دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وتعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل.

ولكن لماذا نسمح بتدمير دولة فلسطين وتدمير هذا الحل ونحن نعلم أنه لا يوجد بديل قابل للتطبيق وندرك جميعاً خطر اندلاع حريق شامل؟ إن ما يحدث في غزة اليوم قد يكون الفصل الأخير من المأساة التي تحملها الشعب الفلسطيني أو قد يكون الفصل الأول من واقع أكثر مأساوية لمنطقتنا ككل. إن ما ستفعلونه بعد ذلك مهم. تحركوا الآن لوقف القتل، ووقف المعاناة، ووقف هذه الجرائم، ووقف هذا الظلم.

السيد الرئيس

يشرفني أن أقدم مشروع القرار قيد النظر في هذه الدورة الخاصة الطارئة، والمعنون “الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن العواقب القانونية الناجمة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وعن عدم شرعية استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، كما ورد في الوثيقة (A/ES-10/L.31/Rev.1. ) وأود أن أشكر أكثر من 40 دولة شاركت في رعاية مشروع القرار حتى الآن.

إن مشروع القرار يعكس بأمانة الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وهو يستند إلى القانون الدولي ويهدف إلى تعزيز احترام ولايتها وأحكامها، ليس فقط للشعب الفلسطيني، ولكن للمجتمع الدولي ككل.

ونشكر جميع الوفود التي شاركت في هذا النص وبذلت قصارى جهدها لمعالجة مخاوفها مع ضمان بقاء النص متوافقاً مع الرأي الصادر عن المحكمة.

ويعكس مشروع القرار، في فقراته التمهيدية، القرارات التي توصلت إليها المحكمة، مع التركيز في فقراته التنفيذية على التزامات إسرائيل وجميع الدول والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى وفقاً للقانون الدولي. كما يدعو إلى عدد من الإجراءات الفردية والجماعية لدعم القانون وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بشأن قضية فلسطين. ويسعى إلى اتخاذ إجراءات من أجل المساءلة، وهو المسار الأساسي للعدالة في أي حال، ولا يمكن لفلسطين أن تكون استثناءً.

السيد الرئيس

إنني أقف على هذه المنصة، في هذه اللحظة التاريخية المأساوية، لأقول للشعب الفلسطيني إن التغيير قادم، وإن مصيره ليس معاناة لا نهاية لها، وإن الحرية حقه الطبيعي ومصيره.

إنني أقف على هذه المنصة لأقول لكم إن العدالة هي الطريق الوحيد إلى السلام. ولأدعوكم جميعا إلى احترام القانون الدولي، وليس التضحية به على مذبح الحسابات السياسية الباردة المتهورة.

إنني أدعوكم إلى رفض المعايير المزدوجة، ومعاملة شعبي بالاحترام الذي يستحقه، والاعتراف بالحقوق التي يستحقها. نحن لسنا شعبا زائدا عن الحاجة. نحن لسنا مشكلة. نحن أمة لا تطلب أكثر من أن تكون مثل أممكم، ولكنها لا تقبل أقل من ذلك. نريد أن نعيش في حرية وسيادة وكرامة وسلام وأمن على أرض أجدادنا.

إننا ملتزمون بسيادة القانون الدولي والسلام العادل والدائم في منطقتنا. وهذا يتطلب ضمان تطبيق نفس القواعد على الجميع. لا تحيز. لا معايير مزدوجة. لا استثناء.

إن لكل دولة صوتها، والعالم يراقبنا ليرى ما إذا كنا قادرين على الوفاء بالالتزامات التي نتعهد بها والمبادئ التي ندعي أنها ملك لنا في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة للبشرية. أرجوكم أن تقفوا على الجانب الصحيح من التاريخ. مع القانون الدولي. مع الحرية، مع السلام. البديل هو ما تشهدونه كل يوم على شاشات التلفزيون. وما يتحمله الشعب الفلسطيني في جسده. إن واقعا مختلفا ممكن أن يبدأ الآن، ومن هنا. عاشت فلسطين حرة. السلام للجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى