آخر الأخبار

“حشد” تصدر تقريراً بعنوان: التهجير القسري للفلسطينيين: الإبادة الجماعية كأداة

أصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، عبر دائرة الأبحاث والسياسات، تقريرًا شاملًا بعنوان: “التهجير القسري للفلسطينيين: الإبادة الجماعية كأداة”، أعدته المحاميتان رنا هديب وياسمين قاسم، وذلك في إبريل/نيسان 2025. تناول التقرير الممارسات الإسرائيلية الرامية إلى تهجير الفلسطينيين قسرًا، موثقًا الأبعاد القانونية والإنسانية والتاريخية لهذه السياسات المستمرة حتى يومنا هذا.

المقدمة

أكد التقرير أن فكرة تهجير الفلسطينيين ليست وليدة حرب السابع من أكتوبر 2023 أو خطط الإدارة الأمريكية الحديثة، بل هي سياسة متأصلة سبقت قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف الدولي بها. فقد سعت الحركة الصهيونية منذ بداياتها إلى خلق دولة ذات أغلبية يهودية على حساب السكان الفلسطينيين، الذين كانوا يمثلون الأغلبية السكانية وصاحبة الأرض. وتطرّق التقرير إلى محاولات الاحتلال التاريخية لدفع الفلسطينيين لمغادرة بلادهم تحت شعارات الهجرة الطوعية، بينما كانت في جوهرها تهجيرًا قسريًا، سواء عبر مخططات الترانسفير أو عبر ظروف معيشية قاسية أجبرت الفلسطينيين على النزوح.

وأشار التقرير إلى أن محاولات التهجير تصاعدت بعد حرب السابع من أكتوبر 2023، حيث طُرحت مقترحات علنية، مثل خطة وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية لتهجير سكان غزة إلى سيناء، بالتوازي مع إجراءات عملية تهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه عبر استقطاب رعايا الدول الأخرى واستقبال الغزيين في الخارج.

تعريف التهجير القسري

استعرض التقرير تعريف التهجير القسري باعتباره ممارسة ممنهجة تستهدف تفريغ مناطق من سكانها الأصليين قسرًا، سواء عبر الإكراه المباشر باستخدام القوة، أو عبر الضغط والترهيب والاضطهاد غير المباشر. وأوضح التقرير أن التهجير القسري يمثل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية وفق القانون الدولي.

فرّق التقرير بين التهجير القسري، الذي يتم بالإكراه والاضطهاد، والتهجير الطوعي الذي يتم بقرار فردي لأسباب اقتصادية أو اجتماعية دون تهديد مباشر. وأبرز أن الشعب الفلسطيني يُعتبر من أكثر الشعوب تعرضًا للتهجير في التاريخ الحديث، مبينًا فئتين رئيسيتين للمهجرين: اللاجئون الفلسطينيون الذين هُجّروا عامي 1948 و1967 إلى الدول المجاورة أو مناطق فلسطينية أخرى، والنازحون داخليًا الذين أجبروا على ترك منازلهم داخل الأراضي المحتلة دون عبور حدود دولية.

ونوّه التقرير إلى أن ما حدث بعد حرب 2023–2024 من تهجير داخلي واسع في غزة، لا يعد نزوحًا اضطراريًا كما تحاول إسرائيل تصويره، بل تهجيرًا قسريًا ناجمًا عن سياسات عسكرية ممنهجة هدفت لإرغام السكان على مغادرة أماكنهم تحت ضغط القصف والتجويع والتدمير، ما أوقع أكثر من مليوني نازح داخلي في ظروف إنسانية مأساوية.

الإطار القانوني للتهجير القسري

تناول التقرير الإطار القانوني للتهجير القسري بموجب القانون الدولي، موضحًا أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف الرابعة ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وتندرج تحت الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

استعرض التقرير النصوص القانونية ذات الصلة، مثل المادة 49 من اتفاقية جنيف التي تحظر النقل الجبري للأشخاص المحميين، والمادة 146 التي تلزم بملاحقة مرتكبي المخالفات الجسيمة، والمادة السابعة من نظام روما التي تصنف التهجير القسري كجريمة ضد الإنسانية. كما استعرض الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي التي تشدد على ضرورة منع التهجير القسري، إلا في حالات قصوى وفقًا للقانون الدولي.

أكد التقرير أن ممارسات الاحتلال خلال حرب الإبادة في غزة عام 2023م لا يمكن اعتبارها نزوحًا اضطراريًا بل تهجيرًا قسريًا منظمًا، بالنظر إلى انعدام الممرات الآمنة، والاستهداف المباشر للمدنيين، وتدمير البنية التحتية بشكل ممنهج، ما يجعل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولًا جنائيًا عن هذه الجريمة.

السياق التاريخي للتهجير

خصص التقرير قسمًا للحديث عن السياق التاريخي لسياسة التهجير القسري للفلسطينيين، موضحًا أنها سياسة ممتدة منذ تأسيس الحركة الصهيونية ولا تزال مستمرة حتى إبريل 2025.

استعرض التقرير أهم المحطات التاريخية في سياسة التهجير، ومنها:

النكبة عام 1948، حيث تم تهجير نحو 750 ألف فلسطيني قسرًا، وتدمير مئات القرى الفلسطينية لمنع عودة سكانها، وتحويلهم إلى لاجئين في الضفة الغربية وغزة والدول العربية المجاورة. ولا تزال قضية حق العودة، المكفول بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، إحدى أبرز القضايا العالقة.

النكسة عام 1967، التي شهدت موجة تهجير جديدة نتيجة احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، ما تسبب بنزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

تهجير الفلسطينيين من مناطق متعددة لاحقًا، بما في ذلك تهجير سكان مناطق في النقب والأغوار ومناطق القدس عبر سياسات الاستيطان والهدم والمصادرة.

وأشار التقرير إلى أن موجة التهجير الأخيرة في قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجماعية 2023–2024 تأتي ضمن هذا السياق التاريخي الطويل للتهجير، ولكنها تُعتبر من أخطر المراحل بسبب كثافة القصف، وشموليته، واستهدافه المتعمد للمدنيين والأحياء السكنية بهدف تفريغ الأرض.

الخلاصة والتوصيات

خلص التقرير إلى أن ما يتعرض له الفلسطينيون اليوم في قطاع غزة يمثل ذروة سياسة التهجير القسري القائمة على استخدام الإبادة الجماعية كوسيلة لإجبار السكان على الرحيل. وأكد أن هذه السياسات تشكل انتهاكًا صارخًا لكل قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وطالبت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) المجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية عبر:

الاعتراف بأن ما يجري في غزة هو تهجير قسري وإبادة جماعية.

التحرك الفوري لمساءلة قادة الاحتلال الإسرائيلي عن جرائمهم.

تفعيل آليات الحماية الدولية للفلسطينيين، بما في ذلك إنشاء لجان تحقيق دولية مستقلة.

دعم جهود إعادة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين إلى ديارهم وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.

تعزيز الدعم الإنساني العاجل للنازحين والمهجرين داخليًا وتوفير الحماية الدولية لهم.

واختتمت الهيئة تقريرها بتأكيد أن الصمت الدولي حيال الجرائم الإسرائيلية المستمرة بحق الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، يسهم في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، ويشجع الاحتلال على مواصلة سياسات التهجير القسري والجرائم ضد الإنسانية.

زر الذهاب إلى الأعلى