جنين.. مفتاح لحل الأزمة الفلسطينية : كتب عبد الباري فياض
عبد الباري فياض
حالة من التوتر والارتباك سادت المشهد في مخيم جنين خلال الفترة الأخيرة، وذلك عقب تمرد جماعات محلية مسلحة على السلطة الفلسطينية بهدف النيل من النظام العام، بل وقد امتدت دوافع هذه الجماعات إلى تحويل الضفة لمنطقة ارتباك على غرار غزة، ليظل المشهد ملتبسًا وغير مستقرًا في كافة الأراضي الفلسطينية، وتدور معارك عنيفة في المخيم بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية و”كتيبة جنين” التي تسيطر على المخيم وتتألف من مسلحين ينتمون الى فصائل فلسطينية مختلفة، ما تسبّب بمقتل أحد عشر شخصا بينهم خمسة عناصر من الأمن الفلسطيني وناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي وأربعة مدنيين آخرين وقيادي من كتيبة جنين، ولهذا أطلقت السلطة الفلسطينية حملة “حماية وطن” التي دخلت يومها الثالث والثلاثون على التوالي، بهدف استعادة النظام العام في جنين، وستستمر الحملة حتى تقوم هذه المجموعات بنزع سلاحها والتوقف عن تعريض السكان المحليين للخطر، وتستهدف هذه الحملة في المقام الأول استعادة الأمن في الضفة الغربية، خاصة بعدما نفذت عملية أمنية ليست موجهة ضد الفلسطينيين أو في خدمة الاحتلال، بل للقضاء على الخارجين عن القانون والراغبين في إرباك المشهد الفلسطيني.
ودفعت الهزائم المتكررة التي تعرضت لها حركتي الجهاد الإسلامي وحماس في غزة، إلى البحث عن ساحات جديدة لممارسة أنشطتهما، وقد وجدتا في جنين ومخيمها بيئة خصبة لتوسيع نفوذهما، وتسعى هاتان الحركتان من خلال هذه الأحداث إلى إرباك الوضع في الضفة الغربية، وإضعاف سلطة الدولة، وإثارة الفتنة بين أبناء الشعب الفلسطيني. إلا أن الرد الحازم من الأجهزة الأمنية الفلسطينية كشف زيف هذه الادعاءات، وأكد على تماسك النسيج الوطني الفلسطيني.
والمتابع الجيد لأحداث جنين، يتضح له أن الفصائل المسلحة تستهدف تأليب الرأي العام ضد السلطة الوطنية الفلسطينية لكن وعي الشارع الفلسطيني دحر مخططات الفوضى، والتأكيد على أن ما يشاع عن التنسيق الأمني مع إسرائيل في هذه العملية الأمنية غير صحيح على الإطلاق، فمازالت السلطة الفلسطينية تتمسك بإنهاء حالة الفوضى في جنين ومخيمها، لتأكيد قدرتها على السيطرة على مجريات الأمور.
ومازال دور السلطة الفلسطينية مستمرًا في استعادة الأمن في الضفة الغربية من أجل حماية النظام الداخلي وفرض سيادة القانون في مناطقها، وإعادة الاستقرار الأمني في الضفة الغربية، كما تسعى حاليًا لتعزيز مكانتها والتعامل مع التحديات الداخلية المتمثلة في تلك الجماعات التي تسعى لإحداث فراغًا أمنيًا لتحقيق مكاسب سياسية على حساب السلطة، فحملات السلطة الأخيرة تهدف إلى إحباط محاولات هذه الجماعات لزعزعة الاستقرار، وكذلك تفكيك الشبكات المسلحة، والتأكيد للمجتمع الدولي على أن السلطة قادرة على إدارة شؤونها الأمنية، مما يزيد من فرص حصولها على دعم دولي مستقبل يصب في صالح القضية الفلسطينية.
وتشير العمليات الأمنية التي نفذتها السلطة الفلسطينية في جنين إلى رغبتها في ترسيخ سيطرتها على الأرض، حيث يمكن اعتبار هذه العمليات بمثابة استعداد لمهمة أكبر، ألا وهي استعادة السيطرة على قطاع غزة في حال قررت إسرائيل تسليم إدارته للسلطة. من خلال هذه العمليات، تسعى السلطة إلى إثبات قدرتها على فرض الأمن والاستقرار، وبالتالي تعزيز مكانتها كلاعب أساسي في أي حل سياسي مستقبلي. هذا الأمر يضع حماس في موقف صعب، إذ يكشف عن عجزها عن الحفاظ على الأمن، ويؤكد على أن سياستها لا تصلح لبناء دولة.
ويبقى ما روجته حركتا حماس والجهاد الإسلامي، بأن السلطة الفلسطينية تخدم أهداف إسرائيل، محل سخرية من الشعب الفلسطيني، خاصة وأن الحركتين تستهدفا نشر العنف والفزع بين المواطنين في جنين والضفة برمتها، وتقويض تحركاتهم، خاصة بعد أن نفذتا عمليات متواصلة من الهجوم على القوات الفلسطينية، ودخلت في اشتباكات مع السلطة ودفع ثمنها الشعب الذي لم يستطع الخروج من منزله أو شراء مستلزمات المعيشة أو حتى ممارسة عمله اليومي والخروج من المنزل لقضاء مصالحه، وكما ذكر مسؤول في السلطة الفلسطينية أن الرئيس محمود عباس يرفض بشكل قاطع أي وساطة… ويشدّد على أن يسلّم هؤلاء (المسلّحون) أنفسهم وأسلحتهم للسلطة الفلسطينية.
وختامًا فإن نجاح السلطة الفلسطينية في فرض الأمن والاستقرار في جنين يفتح آفاقًا جديدة أمام المشروع الوطني الفلسطيني. فمن خلال تعزيز الثقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية، يمكن للسلطة أن تلعب دورًا أكثر فاعلية في بناء مؤسسات الدولة، وتحقيق المصالحة الوطنية. ومع ذلك، فإن الحفاظ على هذا الإنجاز يتطلب استمرار الجهود في مجال الأمن، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، ولذلك فإن نجاح السلطة في جنين هو بمثابة نقطة تحول، ويمكن أن يشكل نموذجًا يحتذى به في بقية المناطق الفلسطينية.