أكثر من عام مر على الحرب على غزة، ومازالت إسرائيل تواصل ارتكاب أبشع الجرائم الإنسانية في حق الشعب، فتمارس سياسية الموت بالبطيء تجاه حوالي مليوني مواطن فلسطيني على أرض القطاع.
ورغم المجازر الإسرائيلية ضد أهالي غزة، إلاأنهم مازالوا ينضالون ويكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة وسط كومة من الركام التي أصبحت مشهدا سائدا للبيوت التي هدمتها إسرائيل، وكذلك المجاعة التي تفتك بالأهالي والأمراض والأوبئة المنتشرة بين الأطفال والأمهات، والمياه غير الصالحة للشرب، وأكثر من هذا خاصة مع استمرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي في التضييق على الشعب ومنع دخول المساعدات إلى داخل القطاع.
وبعد عام وأكثر من نضال الأهالي من أجل غزة، مازالت حركة حماس التي أشعلت هذه الحرب، تواجه تحديات في القيادة والعمليات، كما يظل الوضع في القطاع مزرياً، فالمناطق الخاضعة لسيطرة الحركة محفوفة بالصراع، ومن هنا كان لابد من تضخيم أصوات الشعب، لأنهم هم الذين سيشكلون مستقبلهم في نهاية المطاف، فلابد وأن يتخذوا الإجراءات اللازمة للتغيير، خاصة بعد أن تسببت هذه الحرب الشعواء في أضرار واسعة النطاق وخسائر بشرية كبيرة، فبلغ عدد الشهداء حتى الآن 44 ألف شهيد و104 آلاف جريح منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وفقًا للتقديرات الرسمية، كما خلفت العملية العسكرية الإسرائيلية دمارا هائلا في القطاع مع تصاعد الأزمات الإنسانية يومًا بعد الآخر، وذلك بعد نزوح ما يقارب 1.9 مليون شخص فلم يعد هناك ملاذ آمن، فيما لا يزال حوالي 10 آلاف شخص مفقودين أو تحت الأنقاض.
وعلى صعيد الخدمات الصحية، فتكاد تكون معدودة في غزة، إذ يعيش الأهالي على مبادرات بعض المنظمات الصحية العالمية التي تأتي على استحياء خوفا من استهداف الأطقم الطبية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، فعلى سبيل المثال انطلقت حملة متواضعة للتطعيم ضد شلل الأطفال وسط إجراءات محفوفة بالخطر، بسبب استهداف إسرائيل للاجئين والطواقم الطبية في مناطق الإيواء بالرصاص الحي والقنابل والقذائف بدون رحمة وفي أي وقت دون سابق إنذار، بذريعة تتبع زيول حركة حماس.
أما عن البنية التحتية لغزة، فتضررت بشكل واسع وتعرضت لأضرار جسيمة؛ حيث تضرر أكثر من 60% من المباني السكنية، وأكثر من 80% من المرافق التجارية حسب تحديث للبيانات البنك الدولي، كما أن هناك 493 مبنى مدرسي يحتاج إلى إعادة بناء كاملة.
وعلى صعيد المعيشة، فيعاني أهالي غزة من المجاعة ونقص وتلوث مياه الشرب، كما يعاني الأطفال من الأوبئة والأمراض التنفسية وسط غياب الرعاية الصحية وكذلك الأمهات تعاني من سوء التغذية وانعدام الأساسيات التي تعينهم على البقاء أحياء، ولكن يبدو أن إسرائيل لا ترغب في بقاء فلسطيني واحد على أرضه، فتمارس كل أشكال العنف والتجويع من أجل تنفيذ مخطط الإبادة الجماعية لهذا الشعب المسكين.
كل هذا ومازال أهل غزة يدفعون ثمن الحرب في الوقت الذي تواصل فيه حماس التحدث باسم الشعب، ولكن أصبح هذا الاتجاه مرفوضا من قبل الأهالي خاصة في ظل تفكير الحركة في مكتسبات ومصالح سياسية فقط على حساب الشعب، الذي من المفترض أن يكتب مستقبله بيده، ويتخذ أولى الإجراءات اللازمة للتغيير، بأن يلفظ حماس سياسيا ويستعد لتقرير مصيره بدون أن تنوب عنه أي طوائف سياسية تبحث عن مصالح ومكتسبات وتضعه على فوهة البركان ثم تنسحب هي من أرض الميدان.
ربما ترسم الأيام المقبلة، مستقبلا آخر في غزة بعد كتابة نهاية حماس، التي لا تطمح إلا في العودة لرأس السلطة في غزة والتفاوض مع إسرائيل بدون رغبة الشعب، وهذا برغم توريط الشعب في حرب أشعلتها الحركة بيدها، لكنها انسحبت من الميدان تاركة أهالي القطاع الحزين يصارعون الموت وحدهم، بينما هربت القيادات إلى دولة قطر للاستقرار هناك بعيدا عن الموت والدمار.
ويبدو أن جميع السيناريوهات التي خططت لها حماس حتى ترسخ وجودها داخل قطاع غزة، أصبحت في مهب الريح ولا وجود حقيقي لها على أرض الواقع، خاصة مع فقدان الحركة المناطق التي كانت تحت سيطرتها، وكذلك مواجهتها تخبطات وتحديات في القيادة بعد مقتل زعيمها يحيى السنوار، وأخيرا انسحاب العناصر المؤثرة في الحركة وهروبهم إلى دول أخرى للاحتماء بعيدا عن عيون إسرائيل، ووسط كل هذا المشهد القاتم فإن الشعب في غزة يعرف ويدرك مصلحته جيدا، فربما تتوقف الحرب وتهدأ نيرانها ويتغير المشهد برمته، وهذا متوقع جدا لأن إعادة بناء غزة والتغيير قادم على يد الشعب لا محالة!.