الديمقراطية التركية أفضل من الديمقراطية الغربية
محمد ياغي
على عكس ادعاء الليبراليين العرب الذين لا يؤمنون بالديمقراطية بأن الإسلاميين إذا وصلوا للحكم لن يتخلوا عنه، أثبت الإسلاميون في تركيا تمسكهم بالنهج الديمقراطي وأجروا الانتخابات في مواعيدها (وأحياناً قبل ذلك) منذ تسلمهم الحكم العام ٢٠٠٢.
هنالك ادعاءات غربية عديدة بأن الديمقراطية التركية «فارغة المحتوى»، وهم يتحدثون عن تصفية للمعارضة السياسية في مؤسسات الدولة وفي الجامعات والإعلام بعد محاولة انقلاب فتح الله غولن العام ٢٠١٦ وبأن الأفواه يجري تكميمها منذ الانقلاب.
لكن انتخابات ١٤ أيار الماضي أثبتت بأن جميع هذه الادعاءات فارغة المضمون، وبأنها دعاية غربية محضة هدفها التحريض على حزب أردوغان الحاكم في تركيا بهدف الإطاحة به من قبل المعارضة التي تتوافق سياساتها مع الغرب.
الانتخابات الأخيرة أثبتت بأن الديمقراطية التركية أكثر تمثيلاً من نظيراتها الغربيات، حيث بلغت نسبة المشاركة فيها ممن يحق لهم حق الانتخاب وعددهم ٦٤ مليوناً (عدد سكان تركيا ٨٤ مليوناً) أكثر بقليل من ٨٨٪.
هذا يعني بأن أكثر من ٥٦ مليون تركي أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة. بالمقارنة، ألمانيا وفيها نفس عدد السكان تقريباً بلغت نسبة المشاركة أكثر بقليل من ٧٦٪ العام ٢٠٢١. وهي نسبة مرتفعة مقارنة بنظيراتها في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، لكنها تبقى أقل بـ ١٢٪ من نسبة المشاركة في تركيا، وهو ما يعكس حقيقة اهتمام الجمهور التركي بالانتخابات كآلية لتبادل السلطة.
في فرنسا كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة ٧١٪، وفي بريطانيا ٦٧٪، وفي أميركا كانت ٦٦٪ وهي أعلى نسبة مشاركة منذ العام ١٩٠٠ عندما وصلت ٧٣٪.
في انتخابات العام ٢٠١٦ الاميركية بلغت هذه النسبة ٥٥٪ وفي الانتخابات التي سبقتها ٥١٪. أما في إسرائيل فقد بلغت هذه النسبة ٦٢٪ وهي الأعلى منذ العام ١٩٩٩.
وفق العديد من المفكرين مثل اليكس توكيفيلي، روبرت بوتمان، ومايكل مكفول، والتي تدرس كتبهم ومقالاتهم في الجامعات الغربية، فإن نسبة المشاركة في الانتخابات في بلد ما هو مقياس لمستوى الديمقراطية في هذا البلد.
بهذا المقياس يمكن القول بكل أريحية أن الديمقراطية التركية أفضل بكثير من الديمقراطيات الغربية.
لكن ارتفاع نسبة المشاركة يعني أيضا بأن الجمهور قد يكون منقسما على نفسه بشأن القضايا التي تتمحور حولها الانتخابات، ولذلك هناك إقبال عليها يعكس رغبة البعض في التغير ورغبة البعض الآخر بالحفاظ على الواضع الراهن.
من هنا لا يمكن اعتبار المشاركة الواسعة في الانتخابات على أنها دليل على عمق الديمقراطية في بلد ما. يجب أن يرافق ذلك مؤشرات أخرى أهمها احترام الطرف الخاسر لنتائج الانتخابات، استقلالية القضاء، الفصل بين السلطات، قبول الجيش بالخضوع للسلطة المدنية المنتخبة، وعدالة النظام الانتخابي نفسه.
في الولايات المتحدة مثلا، إذا لم يكن المرشح من أصحاب الملايين، أو إذا لم تسانده الشركات الكبيرة، أو إذا لم تكن هنالك ماكينة حزبية كبيرة تجمع الأموال لحملته الانتخابية الدعائية، لا يمكنه حتى الحلم بالترشح للانتخابات. نظام كهذا يجعل من الديمقراطية حكرا للأقلية. صحيح بأن الناس تشارك في الانتخابات، لكنها تشارك لتختار من يمثلها من الأقلية الغنية التي تمتلك فعليا البلد.
لهذا يمكننا مشاهدة الكثير من المتنافسين في الانتخابات الأميركية ممن لا يمتلكون الثقافة السياسية والمعرفة ولكنهم يدخلون عالم السياسة بأموالهم، ويدخلونها أصلا للدفاع عن أموالهم ومصالح الشركات التي يمثلونها وليس لخدمة الجمهور.
بالمقارنة، النظام الانتخابي التركي أكثر عدالة، وكل حزب يحصل على ما نسبته ٣٪ من أصوات الناخبين يكون له تمويل من الدولة، والنسبة المالية تتلاءم مع عدد الأصوات التي حصل عليها في آخر انتخابات. أهمية هذا القانون في أنه يجعل الانتخابات غير خاضعة لتأثير جماعات الضغط التي لها بالتأكيد مصالح في وصول جهة ما للحكم.
في تركيا القضاء مستقل، ورغم وجود حزب العدالة والتنمية في السلطة منذ أكثر من عشرين عاما وعلى الرغم من كل التغييرات التي أرساها حزب العدالة والتنمية، إلا أن النظام القانوني
لا يزال علمانياً، ومصدر السلطة لا يزال الشعب.
أما السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية فهي منفصلة عن بعضها. البرلمان يشرع ويراقب السلطة التنفيذية، والقضاء يحكم بينهما وعليهما في حالة الخلاف. أما الجيش فقد تم إبعاده عن الحياة السياسية وإخضاعه للسلطة المدنية التنفيذية بعد أن كان ولعقود طويلة الحاكم الفعلي لتركيا.
باختصار، التجربة التركية تؤكد قدرة الإسلاميين على الحكم، وأن النظام الديمقراطي الذي تم ترسيخه خلال حكمهم أفضل من نظم سياسية ديمقراطية عريقة موجودة في الغرب.