آخرهم الشهيد السنوار .. أساليب “إسرائيلية” ممنهجة في ملاحقة محرري صفقة وفاء الأحرار
مطاردة ثم سجن أو اغتيال
غزة – المواطن
لم يكتفِ الاحتلال بما ذاقوه من مرارة السجن والإبعاد، بل أصرّ على ملاحقتهم بالقتل والاغتيال، إنها مسيرة ممنهجة متواصلة من الاستهداف الإسرائيلي لمحرري صفقة “وفاء الأحرار”.
المحررون في صفقة وفاء الأحرار، كانوا ومنذ الإفراج عنهم في مثل هذه الأيام من أكتوبر 2011، هدفًا لجيش الاحتلال، فكان آخرهم الشهيد يحيى السنوار، وهو الذي أمضى أكثر من 23 عامًا في سجون الاحتلال، وأفرج عنه في صفقة “شاليط”.
وبموجب صفقة التبادل عام 2011، أفرجت حركة “حماس” عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي كان أسيرا لديها، مقابل الإفراج عن 1027 أسيرًا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية.
وجرت الصفقة على مرحلتين، الأولى كانت في 18 أكتوبر، وتم خلالها الإفراج عن 477 أسيرا، بينما تم تنفيذ المرحلة الثانية في 18 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، وتم الإفراج خلالها عن 550 أسيرا.
وأبعد الاحتلال العشرات من الأسرى، إلى جانب إبعاده لأسرى آخرين، بعدما خاضوا إضرابا عن الطعام، ورفض الاحتلال الإفراج عنه، والعودة لبيوتهم.
اغتيالات متلاحقة
وسبق العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، اغتيال الاحتلال لعدد من هؤلاء الأسرى في مواجهات وعمليات اغتيال سابقة، من بينهم الشهيد مازن فقها، الذي بادر الاحتلال لاغتياله عام 2017، بزعم مسؤوليته عن ملف الضفة في كتائب القسام، كما اغتال الاحتلال طارق عز الدين عام 2023، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي.
وفي 3 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري 2024، اغتالت قوات الاحتلال الأسير المحرر عبد العزيز صالحة؛ ليلتحق بكوكبة من الأسرى المحررين.
الذين تعرضوا لاغتيال مباشر من سلطات الاحتلال خلال الحرب المتواصلة ضد القطاع.
وظهر أمس الجمعة، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” رسميًّا، استشهاد رئيس مكتبها السياسي، يحيى السنوار، في اشتباك مسلح في حي تل السلطان بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
وأكدت أن رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” يحيى السنوار “ارتقى بطلاً شهيداً، مقبلاً غير مُدبر، مُمْتَشقاً سلاحه، مشتبكاً ومواجهاً لجيش الاحتلال في مقدّمة الصفوف.
يتنقل بين كل المواقع القتالية صامداً مرابطاً ثابتاً على أرض غزَّة العزَّة، مدافعاً عن أرض فلسطين ومقدساتها، ومُلهماً في إذكاء روح الصُّمود والصَّبر والرّباط والمقاومة”.
وعدا عن عمليات الاغتيال، فقد أعاد الاحتلال اعتقال العشرات من محرري صفقة وفاء الأحرار وأعاد الأحكام المؤبدة الصادرة مسبقا بحقهم.
انصهار الدم
ارتقاء الشهداء من الأسرى المحررين عبّر عن انصهار الدم بالدم، بعدما طالت حرب الإبادة منازلهم وعوائلهم.
ذلك إلى جانب الظروف الأمنية المعقدة التي يعيشها المحررون، في ظل تعرضهم للمطاردة من الاحتلال هم وعوائلهم.
من جانبه، قال الأسير المحرر أيمن الشراون ان سلطات الاحتلال لم تستثنِ موقعا، أو شخصا فلسطينيا من هذه المعركة.
المعركة التي يقدم فيها شعبنا لهذه اللحظة ما يقترب من 50 ألف شهيد، ومئة ألف جريح تقريبا.
وبين “الشراونة” أن الحركة الأسيرة، قدّمت ما يقارب من 33 أسيرا ارتقوا في العدوان الجاري على غزة من الأسرى.
من بينهم عشرون أسيرا من مبعدي الضفة الغربية، و13 من أسرى قطاع غزة، من محرري صفقة وفاء الأحرار.
ويوضح أن الاحتلال اعتقل قرابة 15 من محرري صفقة وفاء الأحرار، في كثير من مناطق القطاع، مشيرا إلى أن 8 أسرى محررين، قدموا زوجاتهم وأبنائهم، وهم لا يزالون على قيد الحياة.
ويؤكد “الشراونة” أن حرب الإبادة التي لم تستثن شيخا ولا أمرأة ولا طفلا، انخرط فيها الدم الفلسطيني من الضفة والدم العربي من جنسيات مختلفة في قطاع غزة.
وأشار إلى أن الأسرى المحررين أصبحوا أصهارًا وأنسابًا لعوائل عديدة في القطاع.
وجميعهم فقدوا من أنسابهم، بل وارتقى أبنائهم أيضا، وقدموا أيضا رفاق لهم في مواجهات سابقة وعمليات اغتيال طالت عددا منهم قبل هذا العدوان.
ويضيف: “الدم اختلط بالدم؛ فالجسد واحد، والهم واحد، والمصير واحد، ولهذا فهم يقدمون كبقية أبناء شعبهم”.
الأسرى المحررون والثأر
من جهته، يحكي الأسير المحرر عامر أبو سرحان، أنّ الأسرى المحررين، شكلوا حالة من الثأر في ذاكرة الوعي الإسرائيلي.
وهم بالنسبة للإسرائيليين مقاتلون لهم ثأر طويل معهم، بعدما مرّغوا أنف الاحتلال في وحل التراب بالمعارك التي خاضوها فترة الانتفاضة الثانية.
ويذكر “أبو سرحان” أنّ الأسرى شكلوا شوكة في حلق الاحتلال.
وبعد الإفراج عنهم، لم يتوقف عطاءهم، واستمروا في حالة النضال بأشكال مختلفة، ليواصلوا ثأرهم مع المحتل.
ووضح أن الأسرى المحررين بالنسبة للاحتلال، هم العدو الأخطر والأبرز؛ الذين عملوا لفترات طويلة من أجل إلحاق الهزيمة به في الضفة والقدس والداخل، وحتى في غزة.
ويؤكد أن الأسرى المحررين انخرطوا مع أبناء شعبهم بقطاع غزة، مع همومهم وآلامهم وتطلعاتهم.
وأصبحوا جزءًا منهم ومن واقعهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ويقاسمون أبناء القطاع معاناتهم، وينخرطون معه في معاركه، وهم جزء من تضحياته.
فخر واعتزاز
من جهتها، تعبرّ عوائل شهداء من الأسرى المحررين، عن فخرهم واعتزازهم بارتقاء أبنائهم في حرب الإبادة التي يشهدها القطاع.
فتقول والدة الشهيد فرسان خليفة، القائد في كتائب القسام وأحد الأسرى المحررين الذين ارتقوا في هذه المعركة:
إن فرسان أعدّ نفسه للشهادة منذ كان طفلا صغيرا” مسيرة إلى أنه وبعد أيام قليلة من ارتقاء فرسان استشهد شقيقه فارس.
وتوضح والدة فرسان أنّ نجلها فرسان أرتقى وفق الطريقة التي أحبها، وكان مقاتلا لآخر لحظة، وفي عمل مقاوم يحبه.
وتبين أنّ الاحتلال يتعامل مع عوائل الأسرى بطريقة انتقامية، فكيف بالأسرى أنفسهم؟، متابعة: “نحن في مشروع ثأر وانتقام متواصل مع هذا الاحتلال؛ الذي لا يرى في شعبنا وأسراه سوى أنهم قتلة يستوجب قتلهم”.
من جانبه، يعلق والد الشهيد محمد حمادة المتحدث باسم حركة حماس بالقدس، “إنّ الاحتلال توعد الأسرى بالقتل منذ اللحظة الأولى للافراج عنهم، وكان يهددهم بالملاحقة والاغتيال”.
ويذكر “حمادة” أن نجله محمد تأخر استهدافه بعد الإفراج عنه لسنوات، “هم كانوا يدركون أنهم مشاريع شهادة، وأنّ الاحتلال لم يغلق صفحاتهم، وأنهم نالوا ما تمنوا”.
ويؤكد أن دم محمد لم يكن أغلى من دماء 50 ألف شهيد، ارتقوا في العدوان المتواصل على القطاع.